للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يظن أن في تعلم موسى من الخضر ما يدل على أن الخضر كان أفضل من موسى، فقد يأخذ الفاضل عن الفاضل، وقد يأخذ الفاضل عن المفضول، إذا اختص الله- تعالى- أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر، فقد كان علم موسى يتعلق بالأحكام الشرعية والقضاء بظاهرها، وكان علم الخضر يتعلق ببعض الغيب ومعرفة البواطن.. «١» .

ثم حكى- سبحانه- ما رد به الخضر على موسى فقال: قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً.

أى: قال الخضر لموسى إنك يا موسى إذا اتبعتنى ورافقتنى، فلن تستطيع معى صبرا، بأى وجه من الوجوه.

قال ابن كثير: أى: إنك لا تقدر يا موسى أن تصاحبني، لما ترى من الأفعال التي تخالف شريعتك، لأنى على علم من علم الله- تعالى- ما علمك إياه، وأنت على علم من علم الله- تعالى- ما علمني إياه، فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه، وأنت لا تقدر على صحبتي» «٢» .

وقوله: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً تعليل لعدم استطاعة الصبر معه.

أى: وكيف تصبر يا موسى على أمور ستراها منى. هذه الأمور ظاهرها أنها منكرات لا يصح السكوت عليها، وباطنها لا تعلمه لأن الله لم يطلعك عليه؟

فالخبر بمعنى العلم. يقال: خبر فلان الأمر يخبره: أى: علمه. والاسم الخبر، وهو العلم بالشيء، ومنه الخبير، أى: العالم.

وكأن الخضر يريد بهذه الجملة الكريمة أن يقول لموسى: إنى واثق من أنك لن تستطيع معى صبرا، لأن ما سأفعله سيصطدم بالأحكام الظاهرة، وبالمنطق العقلي، وبغيرتك المعهودة فيك، وأنا مكلف أن أفعل ما أفعل، لأن المصلحة الباطنة في ذلك، وهي تخفى عليك.

ولكن موسى- عليه السلام- الحريص على تعلم العلم النافع، يصر على مصاحبة الرجل الصالح، فيقول له في لطف وأدب، مع تقديم مشيئة الله- تعالى-: سَتَجِدُنِي- إِنْ شاءَ اللَّهُ- صابِراً، وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً.

أى: قال موسى للخضر سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً معك، غير معترض عليك، ولا أعصى لك أمرا من الأمور التي تكلفني بها.


(١) تفسير فتح البيان ج ٥ ص ٤٧٧. [.....]
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>