أى: وَأَمَّا الْجِدارُ الذي أتعبت نفسي في إقامته، ولم يعجبك هذا منى.
فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مات أبوهما وهما صغيران، وهذان الغلامان يسكنان في تلك المدينة، التي عبر عنها القرآن بالقرية سابقا في قوله: فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ.
قالوا: ولعل التعبير عنها بالمدينة هنا، لإظهار نوع اعتداد بها، باعتداد ما فيها من اليتيمين، وما هو من أهلها وهو أبوهما الصالح، «١» .
وكان تحته أى تحت هذا الجدار كَنْزٌ لَهُما أى: مال مدفون من ذهب وفضة.. ولعل أباهما هو الذي دفنه لهما.
وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً أى: رجلا من أصحاب الصلاح والتقوى، فكان ذلك منه سببا في رعاية ولديه، وحفظ مالهما.
فَأَرادَ رَبُّكَ ومالك أمرك ومدير شئونك، والذي يجب عليك أن تستسلم وتنقاد لإرادته.
أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما أى: كمال رشدهما، وتمام نموهما وقوتهما.
ويستخرجا كنزهما من تحت هذا الجدار وهما قادران على حمايته، ولولا أنى أقمته لا نقض وخرج الكنز من تحته قبل اقتدارهما على حفظه وعلى حسن التصرف فيه.
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أى: وما أراده ربك- يا موسى- بهذين الغلامين، هو الرحمة التي ليس بعدها رحمة، والحكمة التي ليس بعدها حكمة.
فقوله «رحمة» مفعول لأجله.
ثم ينفض الخضر يده من أن يكون قد تصرف بغير أمر ربه فيقول: وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.
أى: وما فعلت ما فعلته عن اجتهاد منى، أو عن رأيى الشخصي، وإنما فعلت ما فعلت بأمر ربي ومالك أمرى، وذلك الذي ذكرته لك من تأويل تلك الأحداث هو الذي لم تستطع عليه صبرا، ولم تطق السكوت عليه، لأنك لم يطلعك الله- تعالى- على خفايا تلك الأمور وبواطنها.. كما أطلعنى.
وحذفت التاء من تَسْطِعْ تخفيفا. يقال: استطاع فلان هذا الشيء واستطاعه بمعنى أطاقه وقدر عليه.
(١) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ١٢.