والثانية بكسر اللام- بصيغة اسم الفاعل- أى: كان مخلصا لنا في عبادته وطاعته.
والمعنى: واذكر- أيها الرسول الكريم- للناس خبر أخيك موسى- عليه السلام- إنه كان من الذين أخلصناهم واصطفيناهم لحمل رسالتنا، وكان من الذين أخلصوا لنا وحدنا العبادة والطاعة، وكان- أيضا- رَسُولًا من جهتنا لتبليغ ما أمرناه بتبليغه، وكان كذلك نَبِيًّا رفيع القدر، عالى المكانة والمنزلة، فقد جمع الله- تعالى- له بين هاتين الصفتين الساميتين صفة الرسالة وصفة النبوة.
وقوله- تعالى-: وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا بيان لفضائل أخرى منحها الله- تعالى- لموسى- عليه السلام-.
والطور: جبل بين مصر وقرى مدين، الأيمن: أى الذي يلي يمين موسى.
قال الآلوسى: «والأيمن» صفة لجانب، لقوله- تعالى- في آية أخرى: جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ بالنصب. أى: ناديناه من ناحيته اليمنى، من اليمين المقابل لليسار. والمراد به يمين موسى، أى: الناحية التي تلى يمينه «إذ الجبل نفسه لا ميمنة له ولا ميسرة» .
ويجوز أن يكون الأيمن من اليمن وهو البركة، وهو صفة لجانب- أيضا- أى: من جانبه الميمون المبارك ...
والمراد من ندائه من ذلك الجانب: ظهور كلامه- تعالى- من تلك الجهة، والظاهر أنه- عليه السلام- إنما سمع الكلام اللفظي ... » «١» .
وقوله وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا أى: وقربناه تقريب تشريف وتكريم حالة مناجاته لنا، حيث أسمعناه كلامنا، واصطفيناه لحمل رسالتنا إلى الناس.
فقوله نَجِيًّا من المناجاة وهي المسارة بالكلام، وهو حال من مفعول وقربناه، أى:
وقربنا موسى منا حال كونه مناجيا لنا.
وقوله- تعالى-: وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا بيان لمظهر آخر من مظاهر فضل الله- تعالى- على عبده موسى.
أى: ووهبنا لموسى من أجل رحمتنا له. وعطفنا عليه. أخاه هارون ليكون عونا له في أداء رسالته كما قال- تعالى- حكاية عنه وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي....
وقوله: نَبِيًّا حال من هارون، أى حال كونه نبيا من أنبياء الله- عز وجل-.
(١) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ١٠٣.