للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- تعالى-: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا بيان لدوام رزقهم فيها بدون انقطاع، إذ ليس في الجنة نهار ولا ليل، ولا بكرة ولا عشى ...

قال القرطبي ما ملخصه قوله وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا أى: لهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب بكرة وعشيا، أى: في قدر هذين الوقتين، إذ لا بكرة ثم- أى هناك- ولا عشيا.. وقيل: رزقهم فيها غير منقطع ...

وخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من حديث أبان عن الحسن وأبى قلابة قالا: قال رجل يا رسول الله، هل في الجنة من ليل؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: «وما هيجك على هذا» ؟ قال:

سمعت الله- تعالى- يذكر في الكتاب: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا فقلت: الليل بين البكرة والعشى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس هناك ليل وإنما هو ضوء ونور، يرد الغدو على الرواح، والرواح على الغدو، وتأتيهم طرف الهدايا من الله لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا، وتسلم عليهم الملائكة» .

ثم قال الإمام القرطبي: «وهذا في غاية البيان لمعنى الآية ... » «١» .

ثم أضاف- سبحانه- إلى تعظيمه لشأن الجنة تعظيما آخر فقال: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا.

فاسم الإشارة تِلْكَ يعود إلى ما تقدم من قوله: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ...

وقوله جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ ...

أى: تلك هي الجنة العظيمة الشأن، العالية القدر، التي نجعلها ميراثا للمؤمنين الصادقين المتقين من عبادنا، كما قال- تعالى-: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ وكما قال- سبحانه-: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

قال صاحب الكشاف: قوله نُورِثُ.. أى: نبقى عليه الجنة كما نبقى على الوارث مال المورث، ولأن الأتقياء يلقون ربهم يوم القيامة وقد انقضت أعمالهم وثمرتها باقية وهي الجنة، فإذا أدخلهم- سبحانه- الجنة، فقد أورثهم من تقواهم كما يورث الوارث المال من المتوفى..» «٢» .

ثم ساق- سبحانه- ما يدل على كمال قدرته، وشمول علمه، فقال- تعالى-:


(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ١٢٦.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>