لَهُ- سبحانه- ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ أى: له وحده جميع الجهات والأماكن، وجميع الأزمان الحاضرة والماضية والمستقبلة، وما بين ذلك، فلا نقدر أن ننتقل من جهة إلى جهة، أو من وقت إلى وقت إلا بأمر ربك ومشيئته.
فالجملة الكريمة مسوقة لبيان ملكية الله- تعالى- لكل شيء، وقدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء.
وقوله- تعالى-: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا مؤكد لما قبله من إثبات قدرة الله- تعالى- وعلمه.
أى: وما كان ربك- أيها الرسول الكريم- ناسيا أو تاركا لك أو مهملا لشأنك، ولكنه- سبحانه- محيط بأحوالك وبأحوال جميع المخلوقات لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ، وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.
قال ابن كثير:«قال ابن أبى حاتم: حدثنا يزيد بن محمد ... عن أبى الدرداء يرفعه قال:
«ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، وما حرمه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا» ثم تلا هذه الآية: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا «١» .
ثم قال- تعالى-: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما أى: هو رب السموات والأرض ورب ما بينهما، وهو خالقهما وخالق كل شيء، ومالكهما ومالك كل شيء.
وما دام الأمر كذلك: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ أى: فأخلص له العبادة ووطن نفسك على أداء هذه العبادة بصبر وجلد وقوة احتمال، فإن المداومة على طاعة الله تحتاج إلى عزيمة صادقة، ومجاهدة للنفس الأمارة بالسوء.
والاستفهام في قوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا للإنكار والنفي. والسمى بمعنى المسامى والمضاهي والنظير والشبيه.
أى: هل تعلم له نظيرا أو شبيها يستحق معه المشاركة في العبادة أو الطاعة؟ كلا، إنك لا تعلم ذلك، لأنه- سبحانه- هو وحده المستحق للعبادة والطاعة، إذ هو الخالق لكل شيء والعليم بكل شيء، والقادر على كل شيء، وما سواه إنما هو مخلوق له، وساجد له طوعا أو كرها، ولا شبهة في صفة من صفاته، فهو- سبحانه- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.