للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعرفني؟ فيقول: لا، إلا أن الله- تعالى- طيب ريحك وحسن وجهك. فيقول: أنا عملك الصالح.. فهلم فاركبنى فذلك قوله: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً «١» .

وقوله- تعالى-: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً بيان لسوء عاقبة المجرمين بعد بيان ما أعده الله للمتقين من نعيم.

ووِرْداً أى: عطاشا. وأصل الورد الإتيان إلى الماء بقصد الارتواء منه بعد العطش الشديد.

أى: ونسوق المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم في دنياهم، نسوقهم سوقا إلى جهنم كما تساق البهائم. حالة كونهم عطاشا، يبحثون عن الماء فلا يجدونه.

والضمير في قوله- تعالى-: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ.. يرى بعضهم أنه يعود إلى المجرمين في قوله نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ ...

أى: نسوق المجرمين إلى جهنم عطاشا، حالة كونهم لا يملكون الشفاعة لغيرهم، ولا يستحقون أن يشفع لهم غيرهم، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا وهم المؤمنون الصادقون فإنهم يملكونها بتمليك الله- تعالى- لهم إياها وإذنه لهم فيها، كما قال- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ.. وكما قال- سبحانه-: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى «٢» .

وعلى هذا التفسير يكون الاستثناء منقطعا.

قال القرطبي: «قوله- تعالى-: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ أى: هؤلاء الكفار لا يملكون الشفاعة لأحد إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً وهم المسلمون فيملكونها، فهو استثناء الشيء من غير جنسه. أى: لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يشفع، فمن في موضع نصب على هذا ... ويرى آخرون أن الضمير في قوله: لا يَمْلِكُونَ ... يعود إلى فريقى المتقين والمجرمين.

أى: لا يملك أحد من الفريقين يوم القيامة الشفاعة لأحد، ولا يملك غيرهم الشفاعة لهم، إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ منهم عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً وهم المؤمنون فإنهم يملكون بإذن الله لهم.

والمراد بالعهد الأمر والإذن، يقال: عهد الأمير إلى فلان بكذا، إذا أمره به. أو أذن له في فعله.


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٣ ص ١٣٧.
(٢) تفسير القرطبي ج ١١ ص ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>