٢- ومنهم من يرى أن المعنى: قال موسى لفرعون: ربنا الذي أعطى كل شيء نظير خلقه في الصورة والهيئة، كالذكور من بنى آدم، أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجا، وكالذكور من البهائم أعطاها نظير خلقها في صورتها وهيئتها من الإناث أزواجا.. ثم هدى الجميع لسائر منافعهم من المطاعم والمشارب ووسائل التناسل.
وقد صدر الإمام ابن جرير تفسيره للآية بهذا المعنى فقال ما ملخصه: وقوله: قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ يعنى نظير خلقه في الصورة والهيئة.. ثم هداهم للمأتى الذي منه النسل والنماء كيف يأتيه، ولسائر منافعه من المطاعم والمشارب وغير ذلك «١» .
٣- ويرى بعضهم أن: المعنى أعطى كل شيء صلاحه ثم هداه إلى ما يصلحه.
٤- ومنهم من يرى أن قوله خَلْقَهُ هو المفعول الأول لأعطى، وأن قوله كُلَّ شَيْءٍ هو المفعول الثاني فيكون المعنى: قال موسى لفرعون: ربنا الذي أعطى الخلائق كل شيء يحتاجون إليه، ثم هداهم إلى طريق استعماله والانتفاع به.
ويبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع لهذه المعاني جميعها لأنه- سبحانه- هو الذي أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه في معاشهم، ثم هداهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم، كما أعطى كل نوع من أنواع خلقه الصورة التي تناسبه، والشكل الذي يتناسب مع جنسه صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ....
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما قاله فرعون لموسى: قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى.
والبال في الأصل: الفكر. تقول: خطر ببالي كذا، أى: بفكرى وعقلي، ثم أطلق على الحال التي يهتم بشأنها، وهذا الإطلاق هو المراد هنا.
أى: قال فرعون بعد أن رد عليه موسى هذا الرد الحكيم: يا موسى فما حال القرون الأولى، كقوم نوح وعاد وثمود.. الذين كذبوا أنبياءهم، وعبدوا غير الله- تعالى- الذي تدعوني لعبادته؟.
وسؤاله هذا يدل على خبثه ومكره، لأنه لما سمع من موسى الجواب المفحم له على سؤاله السابق فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى أراد أن يصرف الحديث إلى منحى آخر يتعلق بأمور لا صلة لها برسالة موسى إليه وهي دعوته لعبادة الله- تعالى- وحده، وإطلاق سراح بنى إسرائيل من الأسر.