وقوله- تعالى-: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها هذا القول الكريم نهى لجماعة المسلمين عن عادة كانوا يفعلونها في الجاهلية، وهي أنهم كانوا إذا عادوا من حجهم أو أحرموا لا يدخلون من أبواب بيوتهم، بل كانوا يدخلون من نقب ينقبونه في ظهور بيوتهم.
أخرج البخاري عن أبى إسحاق قال: سمعت البراء- رضي الله عنه- يقول: نزلت هذه الآية فينا. كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها.
فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فكأنه عير بذلك فنزلت: وَلَيْسَ الْبِرُّ إلخ.
والمعنى: وليس من البر ما كنتم تفعلونه في الجاهلية من دخولكم البيوت من ظهورها عند إحرامكم أو عودتكم من حجكم، ولكن البر الحق الجامع لخصال الخير يكون في تقوى الله بأن تمتثلوا أوامره وتجتنبوا نواهيه، وإذا ثبت ذلك فعليكم أن تأتوا البيوت من أبوابها عند إحرامكم أو رجوعكم من حجكم.
وفي الأمر بإتيان البيوت من أبوابها إشعار بأن إتيانها من ظهورها باسم الدين غير مأذون فيه، وكل ما يفعل باسم الدين وليس له في الدين من شاهد فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وفي الآية الكريمة تعريض بمن يسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عما هو ليس من العلم المختص بالنبوة، ولا تتوقف معرفته على الوحى، فهذا السائل في سؤاله مثله كمثل من يدخل البيت من ظهره لا من بابه.
قال بعضهم: وذلك لأن العلم على ضربين: علم دنيوى يتعلق بأمر المعاش- كمعرفة الصنائع ومعرفة حركات النجوم ومعرفة المعادن والنبات، وقد جعل الله لنا سبيلا إلى معرفة ذلك على غير لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم.
وعلم شرعي يتعلق بالعبادات والمعاملات والعقيدة ولا سبيل إلى أخذه إلا من الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم.
فلما جاءوا يسألون النبي صلّى الله عليه وسلّم عما أمكنهم معرفته من غير جهته أجابهم. ثم بين لهم أن البر في التقوى وذلك يكون بالعلم والعمل المختص بالدين» «١» .
قال صاحب الكشاف: فإن قلت. ما وجه اتصال قوله- تعالى-: وَلَيْسَ الْبِرُّ إلخ بما