للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ المدنيون والكوفيون: إِنْ هذانِ بتشديد إن لَساحِرانِ فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب.

فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة من الأئمة..

والعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال: الأول أنها لغة بنى الحارث بن كعب وزبيد وخثعم..، يجعلون رفع المثنى ونصبه وخفضه بالألف.. وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية «١» .

والفاء في قوله- تعالى-: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ... فصيحة، أى: إذا كان الأمر كذلك من أن موسى وهارون قد حضرا ليخرجاكم من أرضكم بسحرهما.. فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ أى: فأحكموا سحركم واعزموا عليه ولا تجعلوه متفرقا.

يقال: أجمع فلان رأيه وأزمعه، إذا عزم عليه وأحكمه واستعد لتنفيذه وقوله ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا أى: ثم ائتوا جميعا مصطفين، حتى يكون أمركم أكثر هيبة في النفوس، وأعظم وقعا على القلوب، وأدعى إلى الترابط والثبات وقوله وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى تذييل مؤكد لما قبله.

أى: وقد أفلح وفاز بالمطلوب في يوم النزال من طلب العلو، وسعى من أجله، واستطاع أن يتغلب على خصمه، لأننا إذا تغلبنا على موسى كانت لنا الجوائز العظمى، وإذا تغلب علينا خسرنا خسارة ليس هناك ما هو أشد منها.

وحانت ساعة المبارزة والمنازلة. فتقدم السحرة نحو موسى- عليه السلام- وقالوا له- كما حكى القرآن عنهم-:.. يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى.

والإلقاء في الأصل: طرح الشيء، ومفعول «تلقى» محذوف للعلم به، والمراد به العصا.

أى قال السحرة لموسى على سبيل التخيير الذي يبدو فيه التحدي والتلويح بالقوة:

يا موسى إما أن تلقى أنت عصاك قبلنا، وإما أن تتركنا لنلقى حبالنا وعصينا قبلك.

قال الآلوسى: خيروه- عليه السلام- وقدموه على أنفسهم إظهارا للثقة بأمرهم.

وقيل. مراعاة للأدب معه- عليه السلام-. و «أن» مع ما في حيزها منصوب بفعل مضمر. أى، إما تختار إلقاءك أو تختار كوننا أول من ألقى. أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.

أى: «الأمر إما إلقاؤك أو كوننا أول من ألقى..» «٢» .


(١) راجع تفسير القرطبي ج ١١ ص ٢١٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>