للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أى ولا يفوز هذا الجنس من الناس حَيْثُ أَتى أى: حيث كان فحيث ظرف مكان أريد به التعميم.

أى: أن الساحر لا يفلح ولا يفوز أينما كان، وحيثما أقبل، وأنّى اتجه، لأنه يصنع للناس التخييل والتمويه والتزوير والتزييف للحقائق.

قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: لم وحد ساحر ولم يجمع؟ قلت: لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية، لا إلى معنى العدد. فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد «١» .

ثم كانت بعد ذلك المفاجأة الكبرى فقد آمن السحرة حين رأوا ما رأوا بعد أن ألقى موسى ما في يمينه، قال- تعالى-: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى.

قال الآلوسى: «والفاء في قوله فَأُلْقِيَ ... فصيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح» .

أى: فزال الخوف، وألقى موسى ما في يمينه، وصارت حية، وتلقفت حبالهم وعصيهم، وعلم السحرة أن ذلك معجزة، فخروا سجدا لله على وجوههم قائلين آمنا برب هارون وموسى.. «٢» .

والحق أن التعبير بقوله- تعالى-: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً.. يدل على قوة البرهان الذي عاينوه، حتى لكأنهم أمسكهم إنسان وألقاهم ساجدين بالقوة لعظم المعجزة التي عاينوها، وأطلق- سبحانه- عليهم اسم السحرة في حال سجودهم له- تعالى- وإيمانهم به، نظرا إلى حالهم الماضية.

وهكذا النفوس النقية عند ما يتبين لها الحق، لا تلبث أن تفيء إليه، وتستجيب لأهله. قال الكرخي: خروا ساجدين لله لأنهم كانوا في أعلى طبقات السحر، فلما رأوا ما فعله موسى خارجا عن صناعتهم، عرفوا أنه ليس من السحر ألبتة «٣» .

وقال صاحب الكشاف: «ما أعجب أمرهم، قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود.

ثم ألقوا رءوسهم بعد ساعة للشكر والسجود. فما أعظم الفرق بين الإلقاءين» «٤» .

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما توعد فرعون به السحرة، وموقفهم من هذا الوعيد فقال- تعالى-:


(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٧٥.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٢٣٠.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١٠١.
(٤) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>