للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومقدمهم. ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى «١» .

وقوله- تعالى-: قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ إخبار منه- سبحانه- بما فعله قومه بعد مفارقته لهم.

وكلمة فَتَنَّا من الفتن ومعناه لغة: وضع الذهب في النار ليتبين أهو خالص أم زائف.

والفتنة تطلق في القرآن بإطلاقات متعددة منها: الدخول في النار كما في قوله- تعالى-:

يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ. ومنها الحجة كما في قوله- تعالى-: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. ومنها: الاختبار والامتحان، كما في قوله- سبحانه-: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

. ومنها الإضلال والإشراك، كما في قوله- تعالى-: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وقوله- سبحانه-: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ...

ويبدو أن المراد بالفتنة هذا المعنى الأخير وهو الإضلال والشرك، لأن فتنتهم كانت بسبب عبادتهم للعجل في غيبة موسى- عليه السلام-.

ويدل على هذا قوله- تعالى-: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ ...

والسامري: اسم للشخص الذي كان سببا في ضلال بنى إسرائيل، قيل: كان من زعماء بنى إسرائيل وينسب إلى قبيلة تعرف بالسامرة.

وقيل: إنه كان من قوم يعبدون البقر، وقيل غير ذلك من أقوال مظنونة غير محققة.

أى: قال الله- تعالى- لموسى: فإنا قد أضللنا قومك من بعد مفارقتك لهم، وكان السبب في ضلالهم السامري، حيث دعاهم إلى عبادة العجل فانقادوا له وأطاعوه.

وقوله- تعالى-: فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً بيان لما كان منه- عليه السلام- بعد أن علم بضلال قومه.

وكان رجوع موسى إليهم بعد أن ناجى ربه، وتلقى منه التوراة.

قال الآلوسى ما ملخصه: فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ عند رجوعه المعهود أى: بعد ما استوفى الأربعين «ذا القعدة وعشر ذي الحجة» وأخذ التوراة لا عقيب الإخبار المذكور، فسببية ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوع المستفاد من قوله غَضْبانَ أَسِفاً لا باعتبار نفسه، وإن كانت داخلة عليه حقيقة، فإن كون الرجوع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور لا يذهب الوهم إلى كونه عند الإخبار المذكور ... » «٢» .


(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٨١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>