للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظرف مجازى، لأنه لما وقع القتال بسبب نصرة الدين صار كأنه وقع فيه، وهو على حذف مضاف والتقدير في نصرة دين الله «١» .

والمراد بالقتال في سبيل الله: الجهاد من أجل إعلاء كلمته حتى يكون أهل دينه الحق أعزاء لا يسومهم أعداؤه ضيما، وأحرارا في الدعوة إليه وإقامة شرائعه العادلة في ظل سلطان مهيب.

أى: قاتلوا أيها المؤمنون لإعلاء كلمة الله وإعزاز دينه أعداءكم الذين أعدوا أنفسهم لقتالكم ومناجزتكم وتحققتم منهم سوء النية، وفساد الطوية.

فالآية الكريمة تهييج للمؤمنين وإغراء لهم على قتال أعدائهم بدون تردد أو تهيب، وإرشاد لهم إلى أن يجعلوا جهادهم من أجل نصرة الحق، لا من أجل المطامع أو الشهوات.

فقد روى الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبى موسى- رضي الله عنه- أن أعرابيا أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه- أى: ليتحدث الناس بشجاعته وليظهر بينهم- أى ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» والأحاديث في الدعوة إلى أن يكون الجهاد في سبيل الله من أجل إعلاء كلمته كثيرة متعددة.

وقوله وَلا تَعْتَدُوا نهى عن الاعتداء بشتى صوره ويدخل فيه دخولا أوليا الاعتداء في القتال.

والاعتداء: مجاوزة الحد فيما أمر الله به أو نهى عنه.

أى: قاتلوا في سبيل الله من يناصبكم القتال من المخالفين، ولا تتجاوزوا في قتالهم إلى من ليس شأنهم قتالكم، كنسائهم، وصبيانهم ورهبانهم، وشيوخهم الطاعنين في السن إلى حد الهرم، ويلحق بهؤلاء المريض والمقعد والأعمى والمجنون. وقد وردت في النهى عن قتل هؤلاء الأحاديث النبوية ووصايا الخلفاء الراشدين لقواد جيوشهم، فهؤلاء يتجنب قتالهم إلا من قامت الشواهد على أن له أثرا من رأى أو عمل في الحرب، يؤازر به المحاربين لينتصروا على المجاهدين.

قال ابن كثير: ولهذا جاء في صحيح مسلّم عن بريدة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: وجدت امرأة في بعض المغازي مقتولة فأنكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قتل النساء والصبيان» «٢» .


(١) تفسير البحر المحيط ج ٢ ص ٦٥ لأبى حيان.
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>