والمعنى: إننا لم نخلق السموات والأرض وما بينهما من مخلوقات لا يعلمها إلا الله، لم نخلق ذلك عبثا، وإنما خلقنا هذه المخلوقات بحكمتنا السامية، وقدرتنا النافذة، ومشيئتنا التي لا يقف في وجهها شيء.
وقوله- تعالى-: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ استئناف مقرر لمضمون ما قبله، من أن خلق السموات والأرض وما بينهما لم يكن عبثا، وإنما لحكم بالغة، مستتبعة لغايات جليلة، ومنافع عظيمة.
و «لو» هنا حرف امتناع لامتناع. أى: امتناع وقوع فعل الجواب لامتناع وقوع فعل الشرط.
واللهو: الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة، ولا يتناسب مع الجد، وهو قريب من العبث الباطل تقول: لهوت بهذا الشيء ألهو لهوا، إذا تشاغلت به عن الجد، ويطلقه بعضهم على الولد والزوجة والمرأة.
أى: لو أردنا- على سبيل الفرض والتقدير- أن نتخذ ما نتلهى به، لاتخذناه من عندنا ومن جهتنا دون أن يمنعنا أحد مما نريده ولكنا لم نرد ذلك لأنه مستحيل علينا استحالة ذاتية، فيستحيل علينا أن نريده.
فالآية الكريمة من باب تعليق المحال على المحال، لأن كلا الأمرين يتنافى مع حكمة الله- تعالى- ومع ذاته الجليلة.
وقوله: إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ تأكيد لامتناع إرادة اللهو، وأَنْ نافية، أى: ما كنا فاعلين ذلك، لأن اتخاذ اللهو يستحيل علينا.
وقوله- سبحانه-: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ إضراب عن إرادة اتخاذ اللهو، وإثبات لما تقتضيه ذاته- تعالى- مما يخالف ذلك.
والقذف: الرمي بسرعة. والاسم القذاف- ككتاب-، وهو سرعة السير، ومنه قولهم: ناقة قذاف- بكسر القاف- إذا كانت متقدمة على غيرها في السير.
ويدمغه: أى. يمحقه ويزيله. قال القرطبي: وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ.
أى: ليس من شأننا أن نتخذ لهوا، وإنما الذي من شأننا وحكمتنا، أن نلقى بالحق الذي