العبادة والطاعة؟ ولا شك أنهم لا برهان لهم على ذلك.
وقوله- تعالى-: هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي زيادة في تبكيتهم وفي إظهار عجزهم، أى: هذا الوحى الإلهى الناطق بتوحيد الله- تعالى- موجود في القرآن الكريم المشتمل على ذكر المعاصرين لي من أتباعى، وموجود في كتب الأنبياء السابقين، كالتوراة التي أنزلها الله على موسى، والإنجيل الذي أنزله على عيسى، فمن أين أتيتم أنتم بهؤلاء الشركاء، وكيف اتخذتموهم آلهة مع أنهم لا برهان عليهم لا من جهة العقل ولا من جهة النقل؟
فاسم الإشارة هذا في قوله: هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ مبتدأ، مشار به إلى الوحى الإلهى، وقد أخبر عنه- سبحانه- بخبرين- كما يقول الشيخ الجمل-: «فبالنظر للخبر الأول يراد به القرآن، وبالنظر للخبر الثاني يراد به ما عداه من الكتب السماوية»«١» .
وقوله- تعالى-: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ إضراب من جهته- تعالى- عن مناقشتهم ومطالبتهم بالبرهان، وانتقال من الأمر بتبكيتهم إلى الأمر بإهمالهم استصغارا لشأنهم.
أى: دعهم- أيها الرسول الكريم- في باطلهم يعمهون فإنهم قوم أكثرهم يجهلون الحق، ولا يستطيعون التمييز بينه وبين الباطل. فهم لأجل ذلك منصرفون عن الهدى، ومتجهون إلى الضلال، ومن جهل شيئا عاداه.
ثم بين- سبحانه- أن جميع الرسل- عليهم الصلاة والسلام- قد أمروا أقوامهم بإخلاص العبادة لله، ونبذ الشرك والشركاء، فقال- تعالى-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ.
أى: وما أرسلنا من قبلك من رسول يا محمد إلا وأ فهمناه عن طريق وحينا أنه لا إله يستحق العبادة والطاعة إلا أنا، فعليه أن يأمر قومه بطاعتي وعبادتي والخضوع لي وحدي.
هذا، والمتدبر لهذه الآيات الكريمة، يراها قد أقامت أحكم الأدلة العقلية والنقلية على وجوب إخلاص العبادة لله الواحد القهار. وعلى أن الذين يتخذون معه آلهة أخرى سفهاء جاهلون.
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك شبهة من الشبهات الباطلة التي تفوه بها المشركون، ورد عليهم ردا مفحما، فقال- تعالى-: