للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أى دوام البقاء في الدنيا.

نزلت حين قالوا: نتربص بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ريب المنون. وذلك أن المشركين كانوا يدفعون نبوته ويقولون: شاعر نتربص به ريب المنون، ولعله يموت كما مات شاعر بنى فلان، فقال الله- تعالى-: قد مات الأنبياء قبلك يا محمد، وتولى الله دينه بالنصر والحياطة، فهكذا نحفظ دينك وشرعك.. «١» .

والاستفهام في قوله- سبحانه-: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ للإنكار والنفي..

والمعنى: وما جعلنا- أيها الرسول الكريم- لبشر من قبلك- كائنا من كان- الخلود في هذه الحياة، وأنت إن مت فهم- أيضا- سيموتون في الوقت الذي حدده الله- تعالى- لانقضاء عمرك وأعمارهم، وما دام الأمر كذلك فذرهم في جهالتهم يعمهون، ولا تلتفت إلى شماتتهم فيك، أو إلى تربصهم بك، فإنك ميت وإنهم ميتون، وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، ورحم الله الإمام الشافعى حيث يقول:

تمنى أناس أن أموت. وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد

فقل للذي يبغى خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها، وكأن قد

وقال شاعر آخر:

إذا ما الدهر جر على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا

ثم أكد- سبحانه- عدم خلود بشر في هذه الحياة فقال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ.

أى: كل نفس أوجدها الله- تعالى- في هذه الحياة، ستذوق مرارة نزول الموت بها.

ومفارقة روحها لجسدها.

قال الآلوسى ما ملخصه: والموت عند الأشعرى، كيفية وجودية تضاد الحياة، وعند كثيرين غيره: أنه عدم الحياة عما من شأنه الحياة بالفعل.

وقال بعضهم: المراد بالنفس هنا: النفس الإنسانية لأن الكلام مسوق لنفى خلود البشر.

واختير عمومها لتشمل نفوس البشر والجن وسائر نفوس الحيوان «٢» .


(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٢٨٧.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>