للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: واذكر- أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب- عبدنا أيوب- عليه السلام- وقت أن نادى ربه، وتضرع إليه بقوله: يا رب أنى أصابنى ما أصابنى من الضر والتعب، وأنت أجل وأعظم رحمة من كل من يتصف بها.

فأنت ترى أن أيوب- عليه السلام- لم يزد في تضرعه عن وصف حاله أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ووصف خالقه- تعالى- بأعظم صفات الرحمة دون أن يقترح شيئا أو يطلب شيئا، وهذا من الأدب السامي الذي سلكه الأنبياء مع خالقهم- عز وجل-.

قال صاحب الكشاف: «ألطف- أيوب- في السؤال، حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، وذكر ربه بغاية الرحمة، ولم يصرح بالمطلوب. ويحكى أن عجوزا تعرضت لسليمان بن عبد الملك فقالت: يا أمير المؤمنين، مشت جرذان- أى فئران- بيتي على العصى!! فقال لها: ألطفت في السؤال، لا جرم لأجعلنها تثب وثب الفهود، وملأ بيتها حبا..» «١» .

وبعد أن دعا أيوب ربه- تعالى- بهذه الثقة، وبهذا الأدب والإخلاص، كانت الإجابة المتمثلة في قوله- تعالى-: فَاسْتَجَبْنا لَهُ أى دعاءه وتضرعه فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ أى: فأزلنا ما نزل به من بلاء في جسده، وجعلناه سليما معافى. بأن أمرناه أن يضرب برجله الأرض ففعل، فنبعت له عين فاغتسل منها، فزال عن بدنه كل مرض أصابه بإذن الله- تعالى-.

قال- سبحانه-: وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ. ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ.. «٢» .

وقال- تعالى-: وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أى: لم نخيب رجاء أيوب حين دعانا، بل استجبنا له دعاءه، بفضلنا وكرمنا، فأزلنا عنه المرض الذي نزل به، ولم نكتف بهذا- أيضا- بل عوضناه عمن فقده من أولاده، ورزقناه مثلهم معهم.

قال الآلوسى ما ملخصه: «قوله: وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال: سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قوله: وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ فقال: «رد الله- تعالى- امرأته إليه، وزاد في شبابها، حتى ولدت له ستا وعشرين ذكرا» .

فالمعنى على هذا: آتيناه في الدنيا مثل أهله عددا مع زيادة مثل آخر.


(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٣٠.
(٢) سورة ص الآيتان ٤١، ٤٢. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>