للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في جوفه المظلم، بداخل البحر المظلم، أخذ يتضرع إلينا بقوله: أشهد أن لا إله إلا أنت يا إلهى مستحق للعبادة، سُبْحانَكَ أى: أنزهك تنزيها عظيما إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لنفسي حين فارقت قومي بدون إذن منك. وإنى أعترف بخطئي- يا إلهى- فتقبل توبتي، واغسل حوبتي.

هذا وقد ذكر ابن جرير وابن كثير وغيرهما من المفسرين هنا روايات متعددة عن المدة التي مكثها يونس في بطن الحوت، وعن فضل الدعاء الذي تضرع به إلى الله- تعالى-، ومن ذلك ما رواه ابن جرير عن سعد بن أبى وقاص- رضى الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «باسم الله الذي إذا دعى به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى» . قال: قلت: يا رسول الله، هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: «هي ليونس بن متى خاصة وللمؤمنين عامة، إذا دعوا بها. ألم تسمع قول الله- تعالى-:

فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ، وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ، وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ فهو شرط من الله لمن دعاه به» «١» .

ثم بين- سبحانه- أنه قد أجاب ليونس دعاءه فقال: فَاسْتَجَبْنا لَهُ أى: دعاءه وتضرعه وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ أى: من الحزن الذي كان فيه حين التقمه الحوت وصار في بطنه.

وقد بين- سبحانه- في آية أخرى، أن يونس- عليه السلام- لو لم يسبح الله للبث في بطن الحوت إلى يوم البعث. قال- تعالى-: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

وقوله- تعالى-: وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ بشارة لكل مؤمن يقتدى بيونس في إخلاصه وصدق توبته، ودعائه لربه.

أى: ومثل هذا الإنجاء الذي فعلناه مع عبدنا يونس، ننجي عبادنا المؤمنين من كل غم، متى صدقوا في إيمانهم، وأخلصوا في دعائهم.

ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك جانبا من قصة زكريا ويحيى فقال- تعالى-:


(١) تفسير ابن جرير ج ١٧ ص ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>