للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى، منعتم بعد الإحرام من الوصول إلى البيت الحرام بسبب عدو أو مرض أو نحوهما، فعليكم إذا أردتم التحلل من الإحرام أن تذبحوا ما تيسر لكم من الهدى.

وبعض العلماء- كالشافعية والمالكية- يرون أن المراد بالإحصار في الآية ما كان بسبب عدو، كما حدث للمسلمين في صلح الحديبية، أما إذا كان الإحصار بسبب مرض، فإن الحاج أو المعتمر يبقى على إحرامه حتى يبرأ من مرضه ثم يذهب إلى البيت فيطوف به سبعا، ويسعى بين الصفا والمروة، وبهذا يتحلل من عمرته أو حجه، ولا يتحلل بالذبح، إذ التحلل بالذبح عندهم لا يكون إلا في حالة الإحصار بسبب العدو. أما الأحناف فيرون أن الإحصار سواء أكان بسبب عدو أو مرض أو ما يشبههما فإنه يسيغ التحلل بالذبح، إذ الآية عندهم تعم كل منع، وعلى من أحصر أن يقضى الحج أو العمرة فيما بعد.

وفي هذه الجملة الكريمة تقرير للمبادئ التي جاءت بها شريعة الإسلام تلك المبادئ التي تتوخى في كل شئونها التيسير لا التعسير، والرفق لا التشديد قال- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «١» وقال- تعالى-: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «٢» .

ثم قال- تعالى-: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.

حلق الرأس أو تقصيرها علامة على الانتهاء من الإحرام، كما أن التسليم علامة الانتهاء من الصلاة، أو علامة قطعهما عند الاضطرار إلى ذلك. والحلق بالنسبة للرجال أفضل من التقصير، فقد أخرج الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهم اغفر للمحلقين. قالوا: يا رسول الله وللمقصرين. قال: اللهم اغفر للمحلقين. قالوا: يا رسول الله وللمقصرين. قال: وللمقصرين» «٣» . أما بالنسبة للنساء فيكفى التقصير.

والمحل: اسم لزمان الحلول أو مكانه. يقال: بلغ الدين محله إذا حل وقت أدائه، كما يقال: بلغ الشخص محله إذا وصل إلى المكان الذي ينزل به.

قال الآلوسى: وكون المراد بالمحل هنا المكان هو الظاهر في الآية.

والمعنى: أتموا الحج والعمرة لله، فإن منعتم من إتمامهما وأنتم محرمون فعليكم إذا أردتم التحلل أن تذبحوا ما تيسر لكم من الهدى، ولا تتحللوا من إحرامكم بالحلق حتى تعلموا أن الهدى المبعوث قد بلغ مكانه الذي يجب أن يراق فيه دمه، وهو الحرم.


(١) سورة البقرة الآية ١٨٥.
(٢) سورة الحج الآية ٧٨.
(٣) الترغيب والترهيب للمنذرى ج ٢ ص ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>