للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من رأسه كجراحة وحشرات مؤذية، فعليه إن حلق فدية من صيام أو صدقة أو نسك.

وقوله: فَفِدْيَةٌ مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى: فعليه فدية، وأيضا ففيه إضمار آخر والتقدير: فحلق فعليه فدية.

والفدية: هي العوض عن الشيء الجليل النفيس. ولا ريب أن محرمات الحج والعمرة أمور لها جلالها وعظمها.

وعبر- سبحانه- هنا بالفدية دون الكفارة، لأن الذي به مرض أو أذى من رأسه لم يرتكب ذنبا أو إثما حتى يكفر عنه.

قال القرطبي: والنسك: جمع نسيكه، وهي الذبيحة ينسكها العبد لله- تعالى- وتكون من الإبل والبقر والغنم- ويجمع- أيضا- على نسائك. والنسك: العبادة في الأصل، ومنه قوله- تعالى-: وَأَرِنا مَناسِكَنا أى: متعبداتنا. وقيل: أصل النسك في اللغة الغسل ومنه نسك ثوبه إذا غسله، فكأن العابد غسل نفسه من أدران الذنوب بالعبادة. وقيل: النسك سبائك الفضة التي خلصت من الخبث، كل سبيكة منها نسيكة، فكأن العابد خلص نفسه من دنس الآثام» «١» .

وقوله- تعالى-: مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ بيان لجنس الفدية.

وقد بين النبي صلّى الله عليه وسلّم مقدار هذه الفدية، فقد روى الشيخان عن كعب بن عجرة الأنصارى قال: حملت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم والقمل يتناثر على وجهى فقال: ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ بك هذا ... أما تجد شاة؟ قلت: لا!! قال: صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك. فنزلت فىّ خاصة وهي لكم عامة.

فقد بين النبي صلّى الله عليه وسلّم مقدار الفدية في هذا الحديث، وعامة العلماء يرون أن المحرم لعذر كهذا يخير في هذا المقام، إن شاء صام وإن شاء تصدق وإن شاء ذبح شاة وتصدق بها على المساكين.

قال ابن كثير: ولما كان لفظ القرآن في بيان الرخصة جاء بالأسهل فالأسهل، ولما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم كعب بن عجرة بذلك أرشده أولا إلى الأفضل فقال: أما تجد شاه؟ فكل حسن في مقامه» «٢» .

وبعد أن بين- سبحانه كيفية التحلل عند الإحصار، وكيفية التحلل الجزئى من بعض


(١) تفسير القرطبي ج ٢ ص ٣٨٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>