للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي ما ملخصه: وأشهر الحج هي شوال وذو القعدة والعشرة الأولى من ذي الحجة. وقيل هي شوال وذو القعدة وذو الحجة كله وفائدة الفرق تعلق الدم فمن قال:

إن ذا الحجة كله من أشهر الحج لم يوجب دما على من أخر طواف الإفاضة إلى آخر ذي الحجة لأنه وقع في أشهر الحج، ومن قال بأن وقت الحج ينقضي بالعشرة الأولى من ذي الحجة يوجب الدم عليه لتأخيره عن وقته. ولفظ الأشهر قد يقع على شهرين وبعض الثالث، لأن بعض الشهر ينزل منزلة كله، كما يقال: رأيتك سنة كذا ولعله إنما رآه في ساعة منها» «١» .

وعبر- سبحانه- عن هذه الأشهر بأنها معلومات، لأن العرب كانوا يعرفون أشهر الحج من كل عام منذ عهد إبراهيم- عليه السلام- وقد جاء الإسلام مقررا لما عرفوه. أو المراد بكونها معلومات أنها مؤقتة بأوقات معينة لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها عنها، وهو يتضمن بطلان النسيء الذي كان يفعله الجاهليون تبعا لأهوائهم.

وقوله: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ بيان لما يحب أن يتحلى به المسلّم من فضائل عند أدائه لهذه الفريضة.

قال الإمام الرازي: ومعنى فَرَضَ في اللغة ألزم وأوجب. يقال: فرضت عليك كذا، أى أوجبته. وأصل معنى الفرض في اللغة الحز الذي يقع فيه الوتر، ومنه فرض الصلاة وغيرها لأنها لازمة للعبد كلزوم الحز للقدح ففرض هنا بمعنى أوجب وألزم ... » «٢» .

والرفث في الأصل: الفحش من القول. والمراد به هنا الجماع. أو الكلام المتضمن لما يستقبح ذكره من الجماع ودواعيه.

قال القرطبي: وأجمع العلماء على أن الجماع قبل الوقوف بعرفة مفسد للحج وعليه حج قابل والهدى.

والفسوق: الخروج عن طاعة الله بارتكاب المعاصي، ومن ذلك السباب وفعل محظورات الإحرام، وغير ذلك مما نهى الله عنه، والجدال على وزن فعال من المجادلة وهي مشتقة من الجدل وهو الفتل ومنه: زمام مجدول.

وقيل: هي مشتقة من الجدالة التي هي الأرض. فكأن كل واحد من الخصمين يقاوم صاحبه حتى يغلبه، فيكون كمن ضرب به الجدالة.

والمراد النهى عن المماراة والمنازعة التي تؤدى إلى البغضاء وتغير القلوب.


(١) تفسير القرطبي ج ٢ ص ٤٠٥.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>