للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم الأولين، حين خافوا الله- تعالى- فآمنوا به ويكتبه ورسله، فالمراد بآبائهم: «المؤمنون» منهم كإسماعيل- عليه السلام ... «٥» .

ثم انتقلت السورة إلى توبيخهم- ثالثا- على كفرهم مع علمهم بصدق الرسول وأمانته، فقال- تعالى- أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ.

أى: أيكون سبب كفرهم أنهم لم يعرفوا رسولهم محمدا صلّى الله عليه وسلّم؟ كلا فإن هذا لا يصلح سببا، إذ هم يعرفون حسبه ونسبه، وأمانته، وصدقه، وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين قبل بعثته، وأبو سفيان- قبل أن يدخل في الإسلام- شهد أمام هرقل ملك الروم، بأن الرسول صلى الله عليه وسلّم كان معروفا بصدقه وأمانته قبل البعثة.

ثم انتقلت السورة- للمرة الرابعة- إلى توبيخهم على أمر آخر، فقال- تعالى-: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ....

أى: أيكون سبب إصرارهم على كفرهم اتهامهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم بالجنون؟ كلا، فإنهم يعلمون حق العلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو أكمل الناس عقلا، وأرجحهم فكرا، وأثقبهم رأيا، وأوفرهم رزانة.

وقوله- تعالى- بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ إضراب عما يدل عليه ما سبق من اتهامات باطلة دارت على ألسنة المشركين.

أى: ليس الأمر كما زعموا من أنه صلّى الله عليه وسلّم به جنة أو أنه أتاهم بما لم يأت آباءهم الأولين، بل الأمر الصدق، أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم جاءهم بالحق الثابت الذي لا يحوم حوله باطل ولكن هؤلاء القوم أكثرهم كارهون للحق، لأنه يتعارض مع أنانيتهم وشهواتهم، وأهوائهم..

وقال- سبحانه-: وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ لأن قلة من هؤلاء المشركين كانت تعرف أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد جاءهم بالحق، وتحب أن تدخل في الإسلام، ولكن حال بينهم وبين ذلك، الخوف من تعيير أقوامهم لهم بأنهم فارقوا دين آبائهم وأجدادهم، كأبى طالب- مثلا- فإنه مع دفاعه عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقي على كفره.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: قوله وَأَكْثَرُهُمْ فيه أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق؟ قلت: كان فيهم من يترك الإيمان به أنفة واستنكافا من توبيخ قومه، وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه، لا كراهة للحق، كما يحكى عن أبى طالب.


(٥) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٥٠. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>