أى: كيف يكرهون الحق الذي جاءهم به رسولهم صلّى الله عليه وسلّم مع أنه قد أتاهم بالقرآن الكريم الذي فيه شرفهم ومجدهم؟ إن إعراضهم عن هذا القرآن ليدل دلالة قاطعة، على غبائهم، وجهلهم، لأن العاقل لا يعرض عن شيء يرفع منزلته، ويكرم ذاته.
ثم انتقلت السورة الكريمة- للمرة الخامسة- إلى توبيخهم على كفرهم، مع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يسألهم أجرا على ما ينقذهم من ظلمات هذا الكفر إلى نور الإيمان. فقال- تعالى-: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً.. أى: أجرا وجعلا وجزاء ...
أى: أيكون السبب في عدم إيمانهم بك- أيها الرسول الكريم- أنك تسألهم أجرا على دعوتك لهم إلى إخلاص العبادة لنا؟.
لا: ليس الأمر كما يتوهمون، فإنك لم تسألهم أجرا على دعوتك إياهم إلى الدخول في الإسلام.
والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ..
وما بينهما اعتراض وقوله- سبحانه-: فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ تعليل لنفى سؤاله إياهم الأجر على دعوتهم إلى الحق.
أى: أنت- أيها الرسول الكريم- ما طالبتهم بأجر على دعوتك إياهم إلى الإيمان بالله- تعالى- وحده، لأن ما أعطاك الله- تعالى- من خير وفضل أكبر وأعظم من عطاء هؤلاء الضعفاء الذين لا يستغنون أبدا عن عطائنا. والله- تعالى- هو خير الرازقين، لأن رزقه دائم ورزق غيره مقطوع، ولأنه هو المالك لجميع الأرزاق، وغيره لا يملك معه شيئا.
قال بعض العلماء: المراد بالخرج والخراج هنا. الأجر والجزاء والمعنى: أنك لا تسألهم على ما بلغتهم من الرسالة المتضمنة لخيرى الدنيا والآخرة أجرا وأصل الخرج والخراج: هو ما تخرجه إلى كل عامل في مقابلة أجرة أو جعل.
وقرأ ابن عامر: أم تسألهم خراجا فخراج ربك خير- بإسكان الراء فيهما معا وحذف الألف-.
وقرأ حمزة والكسائي: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ- بفتح الراء بعدها ألف فيهما معا وقرأ الباقون: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ بإسكان الراء وحذف الألف في الأول وفتح الراء وإثبات الألف في الثاني.
والتحقيق: أن معنى اللفظين واحد، وأنهما لغتان فصيحتان، وقراءتان سبعيتان، خلافا لمن