للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الإحراق واللفح.

ثم يقال لهم بعد كل هذا العذاب المهين على سبيل التقريع والتوبيخ: أَلَمْ تَكُنْ آياتِي الدالة على وحدانيتي وقدرتي وصدق رسلي تُتْلى عَلَيْكُمْ في الدنيا على ألسنة هؤلاء الرسل الكرام فَكُنْتُمْ بِها أى: بهذه الآيات تُكَذِّبُونَ هؤلاء الرسل فيما جاءوكم به من عندي من هدايات وإرشادات.

وكأنهم قد خيل إليهم- بعد هذا السؤال التوبيخي، أنهم قد أذن لهم في الكلام، وأن اعترافهم بذنوبهم قد ينفعهم فيقولون- كما حكى القرآن عنهم-: قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا ... أى: يا ربنا تغلبت علينا أنفسنا الأمارة بالسوء، فصرفتنا عن الحق، وتغلبت علينا ملذاتنا وشهواتنا وسيئاتنا التي أفضت بنا إلى هذا المصير المؤلم وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ عن الهدى والرشاد، بسبب شقائنا وتعاستنا.

رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها أى: من هذه النار التي تلفح وجوهنا فَإِنْ عُدْنا إلى ما نحن عليه من الكفر وارتكاب السيئات فَإِنَّا ظالِمُونَ أى: فإنا متجاوزون لكل حد في الظلم، ونستحق بسبب ذلك عذابا أشد مما نحن فيه.

وهكذا يصور القرآن بأسلوبه البديع المؤثر، أحوال الكافرين يوم القيامة، تصويرا ترتجف له القلوب، وتهتز منه النفوس، وتقشعر من هوله الأبدان.

وقوله- سبحانه-: قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ جواب على طلبهم الخروج من النار، والعودة إلى الدنيا.

أى: قال الله- تعالى- لهم على سبيل الزجر والتيئيس: اخْسَؤُا فِيها اسكتوا وانزجروا انزجار الكلاب، وامكثوا في تلك النار وَلا تُكَلِّمُونِ في شأن خروجكم منها، أو في شأن عودتكم إلى الدنيا.

وقوله- تعالى- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ ... تعليل لزجرهم عن طلب الخروج أى: اخسئوا في النار ولا تكلمون، لأنه كان في الدنيا فريق كبير من عبادي المؤمنين يقولون بإخلاص ورجاء: رَبَّنا آمَنَّا بك واتبعنا رسلك فَاغْفِرْ لَنا ذنوبنا وَارْحَمْنا برحمتك التي وسعت كل شيء وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.

وقوله- سبحانه-: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ... هو محط التعليل، أى: فكان حالكم معهم أنكم سخرتم واستهزأتم بهم.

حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي أى: فاتخذتموهم سخريا، وداومتم على ذلك، وشغلكم هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>