للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب الله- تعالى-، إحداهما: نسخت تلاوتها وبقي حكمها، والثانية: باقية التلاوة والحكم.

أما التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها، فهي قوله- تعالى-: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة- وقد ورد ذلك في روايات متعددة- وتدل هذه الروايات على أن الصحابة قرءوها ووعوها. وعقلوها. وأن حكمها باق لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم فعله، والصحابة فعلوه من بعده.

وأما الآية التي هي باقية التلاوة والحكم، فهي قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ «١» ، على القول بأنها نزلت في رجم اليهوديين الزانيين بعد الإحصان، وقد رجمهما النبي صلّى الله عليه وسلّم وقصة رجمه لهما مشهورة، ثابتة في الصحيح. وعليه فقوله: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ أى: عما في التوراة من حكم الرجم، وذم المعرض عن الرجم في هذه الآية.

يدل على أنه ثابت في شرعنا فدلت الآية- على هذا القول- أن الرجم ثابت في شرعنا.

وهي باقية التلاوة ... «٢»

٢- كذلك أخذ العلماء من قوله- تعالى-: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ...

أنه لا تجوز الشفاعة في الحدود، كما لا يجوز إسقاط الحد لأن في ذلك تعطيلا لتنفيذ شرع الله- تعالى- على الوجه الأكمل.

قال الآلوسى ما ملخصه: «قوله- تعالى-: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ..

أى في طاعته وإقامة حده الذي شرعه. والمراد النهى عن التخفيف في الجلد. بأن يجلدوهما جلدا غير مؤلم، أو بأن يكون أقل من مائة جلدة. أو بإسقاط الحد بشفاعة أو نحوها.

لما صح أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنكر على حبّه أسامة بن زيد حين شفع في فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية، التي سرقت قطيفة أو حليا، وقال له: «يا أسامة، أتشفع في حد من حدود الله- تعالى-، ثم قام صلّى الله عليه وسلّم فخطب فقال: «أيها الناس، إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله- تعالى- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» .

وكما تحرم الشفاعة، يحرم قبولها، فعن الزبير بن العوام- رضى الله عنه- قال: «إذا بلغ الحد إلى الإمام، فلا عفا الله- تعالى- عنه إن عفا» «٣» .


(١) سورة آل عمران الآية ٢٣.
(٢) راجع: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ج ٦ ص ٥ وما ببعدها للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>