جمل، وهي قوله:«فاجلدوهم..، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون» .
والمعنى أن الذين يرمون النساء العفيفات بالفاحشة، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء يشهدون لهم على صحة ما قذفوهن به، فاجلدوا- أيها الحكام- هؤلاء القاذفين ثمانين جلدة، عقابا لهم على ما تفوهوا به من سوء في حق هؤلاء المحصنات، ولا تقبلوا لهؤلاء القاذفين شهادة أبدا بسبب إلصاقهم التهم الكاذبة بمن هو برىء منها. وأولئك هم الفاسقون. أى: الخارجون على أحكام شريعة الله- تعالى- وعلى آدابها السامية.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد عاقب هؤلاء القاذفين للمحصنات بثلاث عقوبات.
أولاها: حسية، وتتمثل في جلدهم ثمانين جلدة، وهي عقوبة قريبة من عقوبة الزنا.
وثانيتها: معنوية، وتتمثل في عدم قبول شهادتهم، بأن تهدر أقوالهم، ويصيرون في المجتمع أشبه ما يكونون بالمنبوذين، الذين إن قالوا لا يصدق الناس أقوالهم، وإن شهدوا لا تقبل شهادتهم، لأنهم انسلخت عنهم صفة الثقة من الناس فيهم.
وثالثتها: دينية، وتتمثل في وصف الله- تعالى- لهم بالفسق. أى: بالخروج عن طاعته- سبحانه- وعن آداب دينه وشريعته.
وما عاقب الله- تعالى- هؤلاء القاذفين في أعراض الناس، بتلك العقوبات الرادعة، إلا لحكم من أهمها: حماية أعراض المسلمين من ألسنة السوء، وصيانتهم من كل ما يخدش كرامتهم، ويجرح عفافهم.
وأقسى شيء على النفوس الحرة الشريفة الطاهرة، أن تلصق بهم التهم الباطلة. وعلى رأس الرذائل التي تؤدى إلى فساد المجتمع، ترك ألسنة السوء. تنهش أعراض الشرفاء، دون أن تجد هذه الألسنة من يخرسها أو يردعها.
وقد اتفق الفقهاء على أن الاستثناء في قوله- تعالى- إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا يعود على الجملة الأخيرة. بمعنى أن صفة الفسق لا تزول عن هؤلاء القاذفين للمحصنات إلا بعد توبتهم وصلاح حالهم.
أى: وأولئك القاذفون للمحصنات دون أن يأتوا بأربعة شهداء على صحة ما قالوه. هم الفاسقون الخارجون عن طاعة الله- تعالى-، إلا الذين تابوا منهم من بعد ذلك توبة صادقة نصوحا، وأصلحوا أحوالهم وأعمالهم، فإن الله- تعالى- كفيل بمغفرة ذنوبهم، وبشمولهم برحمته.
كما اتفقوا- أيضا- على أن هذا الاستثناء لا يعود إلى العقوبة الأولى وهي الجلد، لأن