تواطئوا على نشرها، وتكاتفوا على إشاعتها، بمكر وسوء نية.
وقوله- سبحانه-: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.. تسلية للنبي صلى الله عليه وسلّم ولأصحابه المؤمنين الصادقين، عما أصابهم من هم وغم بسبب هذا الحديث البالغ نهاية دركات الكذب والقبح.
أى: لا تظنوا- أيها المؤمنون- أن حديث الإفك هذا هو شر لكم، بل هو خير لكم، لأنه كشف عن قوى الإيمان من ضعيفه. كما فضح حقيقة المنافقين وأظهر ما يضمرونه من سوء للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولأهل بيته، وللمؤمنين، كما أنكم قد نلتم بصبركم عليه وتكذيبكم له أرفع الدرجات عند الله تعالى.
ثم بين- سبحانه- ما أعده لهؤلاء الخائضين في حديث الإفك من عقاب فقال: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ.
أى لكل واحد من هؤلاء الذين اشتركوا في إشاعة حديث الإفك العقاب الذي يستحقه بسبب ما وقع فيه من آثام، وما اقترفه من سيئات.
وقوله- تعالى-: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ بيان لسوء عاقبة من تولى معظم إشاعة هذا الحديث الكاذب.
والكبر- بكسر الكاف وضمها- مصدر لمعظم الشيء وأكثره.
أى: والذي تولى معظم الخوض في هذا الحديث الكاذب، وحرض على إشاعته، له عذاب عظيم لا يقادر قدره من الله- تعالى-.
والمقصود بهذا الذي تولى كبره. عبد الله بن أبى بن سلول، رأس المنافقين وزعيمهم، فهو الذي قاد حملته، واضطلع بالنصيب الأكبر لإشاعته.
روى أنه لما جاء صفوان بن المعطل يقود راحلته وعليها عائشة- رضى الله عنها- قال عبد الله بن أبى لمن حوله: من هذه؟ قالوا عائشة فقال- لعنه الله-: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها، والله ما نجت منه وما نجا منها.
وقال ابن جرير: «والأولى بالصواب قول من قال، الذي تولى كبره عبد الله بن أبى بن سلول، وذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير، وأن الذي بدأ بذكر الإفك. وكان يجمع أهله ويحدثهم به، هو عبد الله بن أبى بن سلول» «١» .
وقال الآلوسى: «والذي تولى كبره.. كما في صحيح البخاري عن الزهري عن عروة عن
(١) تفسير ابن جرير ج ١٨ ص ٧١.