للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمؤمنات هذا الأمر على أنفسهم. فإذا كان ذلك يبعد عليهم قضوا بأنه في حق من هو خير منهم أبعد..» «١» .

ولقد فعل المؤمنون الصادقون ذلك، فها هو ذا أبو أيوب خالد بن زيد الأنصارى، قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب، أما تسمع ما يقوله الناس في عائشة- رضى الله عنها-؟ قال: نعم، وذلك الكذب. أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا. والله ما كنت لأفعله. قال: فعائشة والله خير منك «٢» .

وفي رواية أن أبا أيوب قال لزوجته أم أيوب: ألا ترين ما يقال؟ فقالت له: لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم سوءا؟ قال: لا، فقالت: ولو كنت أنا بدل عائشة- رضى الله عنها- ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فعائشة خير منى، وصفوان خير منك «٣» .

وهكذا المؤمنون الأطهار الأخيار، يبنون أمورهم على حسن الظن بالناس.

ورحم الله صاحب الانتصاف. فقد علق على ما قالته أم أيوب لزوجها فقال: ولقد ألهمت- أم أيوب- بنور الإيمان إلى هذا السر الذي انطوى عليه التعبير عن الغير من المؤمنين بالنفس، فإنها نزلت زوجها منزلة صفوان ونفسها منزلة عائشة، ثم أثبتت لنفسها ولزوجها البراءة والأمانة، حتى أثبتتها لصفوان وعائشة بالطريق الأولى- رضى الله عنها- «٤» .

ثم وصف- سبحانه- الخائضين في حديث الإفك بالكذب لأنهم قالوا قولا بدون دليل، فقال: لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ أى: هلا جاء هؤلاء الذين افتروا على السيدة عائشة ما افتروا، بأربعة شهداء يشهدون لهم على ثبوت ما تفوهوا به.

فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ أى: وما داموا لم يأتوا بهم- ولن يأتوا بهم- فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ أى: في حكمه- سبحانه- وفي شريعته هُمُ الْكاذِبُونَ كذبا قبيحا تشمئز منه النفوس، ويسجل عليهم الخزي والعار إلى يوم القيامة.

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر فضله ورحمته بالمؤمنين فقال: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ.


(١) تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج ٦ ص ٤٣٧. [.....]
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٦.
(٣) ، (٤) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>