للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيان أحكام كلية شاملة للمؤمنين كافة، يندرج فيها حكم المستأذنين عند دخول البيوت اندراجا أوليا «١» .

وقوله- تعالى-: يَغُضُّوا من الغض بمعنى الخفض. يقال: غض الرجل صوته إذا خفضه. وغض بصره إذا خفضه ومنعه من التطلع إلى ما لا يحل له النظر إليه. قال الشاعر:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتى ... حتى يوارى جارتى مأواها

وهو جواب الأمر «قل» أى: قل- أيها الرسول الكريم- للمؤمنين بأن يغضوا من أبصارهم عما يحرم أو يكره النظر إليه وبأن يحفظوا فروجهم عما لا يحل لهم، فإن ذلك دليل على كمال الإيمان!، وعلى حسن المراقبة وشدة الخوف من الله- تعالى-.

وجمع- سبحانه- بين غض البصر وحفظ الفرج، باعتبارهما كالسبب والنتيجة. إذ أن عدم غض البصر كثيرا ما يؤدى إلى الوقوع في الفواحش، ولذا قدم- سبحانه- الأمر بغض البصر، على الأمر بحفظ الفرج.

وجاء التعبير بقوله- سبحانه- قُلْ للإشعار بأن المؤمنين الصادقين، من شأنهم إذا ما أمرهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأمر، فإنهم سرعان ما يمتثلون ويطيعون، لأنه صلّى الله عليه وسلّم مبلغ عن الله- تعالى- الذي يجب الامتثال لأمره ونهيه.

وخص- سبحانه- المؤمنين بهذا الأمر، لأنهم أولى الناس بالمخاطبة. وبالإرشاد إلى ما يرفع درجاتهم، ويعلى أقدارهم.

قال صاحب الكشاف: و «من» للتبعيض.. فإن قلت: كيف دخلت في غض البصر، دون حفظ الفروج؟ قلت: للدلالة على أن أمر النظر أوسع ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن ... والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها ... وأما أمر الفرج فمضيق «٢» .

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ يعود إلى ما ذكر من الغض والحفظ.

أى: ذلك الذي كلفناك بأمر المؤمنين به- أيها الرسول الكريم- أزكى لقلوبهم، وأطهر لنفوسهم، وأنفع لهم في دنياهم وآخرتهم.

وقوله- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ تحذير من مخالفة أمره- سبحانه-.

أى: مرهم- أيها الرسول الكريم- بالتزام ما أمرناهم به وما نهيناهم عنه، لأننا


(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ١٣٨.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>