ويجوز لهن كذلك إظهار زينتهن أمام الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، أى:
الذين لم يعرفوا ما العورة، ولم يستطيعوا بعد التمييز بينها وبين غيرها، ولم يبلغوا السن التي يشتهون فيها النساء.
يقال: ظهر على الشيء إذا اطلع عليه وعرفه، ويقال: فلان ظهر على فلان إذا قوى عليه وغلبه.
فهؤلاء اثنا عشر نوعا من الناس، ليس عليهم ولا على المرأة حرج، في أن يروا منها موضع الزينة الخفية، كالرأس والذراعين، والساقين، لانتفاء الفتنة التي من أجلها كان الستر والغطاء. فأما الزوج فله رؤية جميع جسدها.
ثم نهى- سبحانه- النساء المؤمنات عن إبداء حركات تعلن عن زينتهن المستورة، بل عليهن أن يلتزمن من خلال خروجهن من بيوتهن الأدب والاحتشام والمشي الذي يصاحب الوقار والاتزان، فقال- تعالى-: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ.
أى: ولا يصح للنساء المؤمنات أن يضربن بأرجلهن في الأرض، ليسمعن غيرهن من الرجال أصوات حليهن الداخلية، بقصد التطلع إليهن، والميل نحوهن بالمحادثة أو ما يشبهها.
فالمقصود من الجملة الكريمة نهى المرأة المسلمة، عن استعمال أى حركة أو فعل من شأنه إثارة الشهوة والفتنة كالمشية المتكلفة، والتعطر الملفت للنظر، وما إلى ذلك من ألوان التصنع الذي من شأنه تهييج الغرائز الجنسية.
ثم ختم- سبحانه- تلك الآية الجامعة لأنواع من الأدب السامي، بدعوة المؤمنين إلى التوبة الصادقة. فقال- تعالى-: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
أى: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون والمؤمنات، توبة صادقة نصوحا تجعلكم تخشونه- سبحانه- في السر والعلن، لكي تنالوا الفلاح والنجاح في دنياكم وأخراكم.
قال القرطبي: «ليس في القرآن الكريم آية أكثر ضمائر من هذه الآية. جمعت خمسة وعشرين ضميرا للمؤمنات ما بين مرفوع ومجرور..» «١» .
هذا، ومن الأحكام والآداب التي اشتملت عليها هاتان الآيتان ما يأتى:
١- وجوب غض البصر وحفظ الفرج، لأن الإسلام يهدف إلى مجتمع طاهر من الدنس،
(١) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٢٣٨.