للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى بكم والأليق بكرامتكم أن تعينوهن على العفاف والطهر، بدل أن تكرهوهن على ارتكاب الفاحشة من أجل عرض من أعراض الحياة الدنيا؟.

وقوله- تعالى-: وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ بيان لمظهر من مظاهر فضل الله- تعالى- ورحمته- بعباده.

أى: ومن يكره إماءه على البغاء فإن الله- تعالى- بفضله وكرمه من بعد إكراهكم لهن، غفور رحيم لهن، أما أنتم يا من أكرهتموهن على الزنا فالله وحده هو الذي يتولى حسابكم، وسيجازيكم بما تستحقون من عقاب.

فمغفرة الله- تعالى- ورحمته إنما هي للمكرهات على الزنا، لا للمكرهين لهن على ذلك.

قال بعض العلماء: قوله- تعالى-: فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ قيل:

غفور لهن. وقيل: غفور لهم. وقيل: غفور لهن ولهم.

والأظهر: أن المعنى لهن، لأن المكره لا يؤاخذ بما يكره عليه، بل يغفره الله له، لعذره بالإكراه. فالموعود بالمغفرة والرحمة، هو المعذور بالإكراه دون المكره- بكسر الراء- لأنه غير معذور بفعله القبيح «١» .

ثم ختم- سبحانه- هذه التشريعات الحكيمة. والتوجيهات السديدة، بقوله- تعالى-: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ. وقوله مُبَيِّناتٍ قرأها بعض القراء السبعة بفتح الياء المشددة، وقرأها الباقون بكسرها.

فعلى قراءة الفتح يكون المعنى: وبالله لقد أنزلنا إليكم- أيها المؤمنون- في هذه السورة وغيرها آيات بيّنّا لكم معانيها، وجعلناها واضحة الدلالة على ما شرعناها لكم من أحكام وآداب وحدود.

وعلى قراءة الكسر يكون المعنى: وبالله لقد أنزلنا إليكم آيات، هي مبينات موضحات لكل ما أنتم في حاجة إلى بيانه ومعرفته من آداب وتشريعات، فإسناد التبيين هنا إلى الآيات على سبيل المجاز.

وقوله: وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ معطوف على «آيات» . والمراد بالمثل:

الأخبار العجيبة التي ذكرها- سبحانه- عن السابقين.

أى، أنزلنا إليكم آيات واضحات في ذاتها وموضحة لغيرها. وأنزلنا إليكم- أيضا-


(١) تفسير أضواء للبيان ج ٦ ص ٢١٩ للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.

<<  <  ج: ص:  >  >>