هذه الزُّجاجَةُ في ذاتها كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ أى شديد الإنارة، نسبة إلى الدر في صفائه وسنائه وإشراقه وحسنه.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ أى: هذا المصباح يستمد نوره من زيت شجرة مباركة أى: كثيرة المنافع، زيتونة أى: هي شجرة الزيتون.
فحرف «من» لابتداء الغاية، والكلام، على حذف مضاف، أى: من زيت شجرة، مباركة: صفة لشجرة، وزيتونة: بدل أو عطف بيان من شجرة.
ووصف- سبحانه- شجرة الزيتون بالبركة، لطول عمرها. وتعدد فوائدها التي من مظاهرها: الانتفاع بزيتها وخصبها وورقها وثمارها.
قال- تعالى- وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ.
وقوله- سبحانه-: لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ صفة أخرى لشجرة الزيتون.
أى: أن هذه الشجرة ليست متميزة إلى مكان معين أو جهة معينة بل هي مستقبلة للشمس طول النهار، تسطع عليها عند شروقها وعند غروبها وما بين ذلك، فترتب على تعرضها للشمس طول النهار، امتداد حياتها، وعظم نمائها وحسن ثمارها.
وقوله- تعالى-: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ صفة ثالثة لتلك الشجرة.
أى، أنها يكاد زيتها من شدة صفائه ونقائه يضيء دون أن تمسه النار، فهو زيت من نوع خاص، بلغ من الشفافية أقصاها، ومن الجودة أعلاها.
قال بعض العلماء: وقد شبّه في الآية نور الله، بمعنى أدلته، وآياته- سبحانه- من حيث دلالتها على الهدى والحق، وعلى ما ينفع الخلق في الحياتين شبه ذلك بنور المشكاة التي فيها زجاجة صافية، وفي تلك الزجاجة مصباح يتقد بزيت بلغ الغاية في الصفاء والرقة والإشراق، حتى يكاد يضيء بنفسه من غير أن تمسه نار» «١» .
وقوله- سبحانه-: نُورٌ عَلى نُورٍ أى: هو نور عظيم متضاعف، كائن على نور عظيم مثله، إذ أن نور الله- تعالى- لا حد لتضاعفه، ولا نهاية لعمقه بخلاف الأنوار الأخرى. فإن لتضاعفها حدا محدودا مهما كان إشراقها وضوؤها.
فقوله: نُورُ خبر لمبتدأ محذوف، أى: هو نور. وقوله عَلى نُورٍ متعلق بمحذوف هو صفة له، مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة. أى: كائن على نور مثله.
(١) صفوة البيان لمعانى القرآن لفضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف ج ٢ ص ٨٤.