للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصفة الثانية من صفات هذا النوع المنافق من الناس بينه القرآن بقوله وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ أى: يقرن معسول قوله، وظاهر تودده، بإشهاد الله على أن ما في قلبه مطابق لما يجرى على لسانه.

وكأن هذا النوع المنافق قد رأى من الناس تشككا في قوله، لأن من عادة المنافقين أن يبدو من فلتات لسانهم ما يدل على ما هو مخبوء في نفوسهم فأخذ يوثق قوله بالأيمان الباطلة بأن يقول لمن ارتاب فيه: الله يشهد أنى صادق فيما أقول.. إلى غير ذلك من الأقوال التي يقصد بها تأكيد قوله وصدقه فيما يدعيه، فالمراد بإشهاد الله: الحلف به أن ما في قلبه موافق لقوله.

وجملة وَيُشْهِدُ اللَّهَ حالية أو مستأنفة أو معطوفة على قوله يُعْجِبُكَ.

وقوله- تعالى-: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ صفة ثالثة من صفات هذا النوع من الناس.

قال القرطبي: الألد: الشديد الخصومة والعداوة.. ولددته- بفتح الدال- ألده- بضمها- إذا جادلته فغلبته. والألد مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق، أى: في أى جانب أخذ من الخصومة غلب. والخصام في الآية مصدر خاصم. وقيل جمع خصم كصعب وصعاب.

والمعنى، أشد المخاصمين خصومة، وفي صحيح مسلّم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» «١» .

أى: إن هذا النوع من الناس يثير الإعجاب بحسن بيانه، ويضللهم بحلاوة لسانه، ويحلف بالأيمان المغلظة أنه لا يقول إلا الصدق، ويجادل عما يقوله بالباطل بقوة وعنف ومغالبة، فهو بعيد عن طباع المؤمنين الذين إذا قالوا صدقوا، وإذا جادلوا اتبعوا أحسن الطرق وأهداها.

ثم وصفه الله- تعالى- بصفة رابعة فقال: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ.

تولى: من التولية بمعنى الإدبار والانصراف، ومتعلق تولى محذوف تقديره: تولى عنك.

وسعى: من السعى وهو المشي السريع وهو مستعار هنا لإيقاع الفتنة والتخريب. والفساد كما قال الراغب- خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا، ويضاده الصلاح يقال فسد فسادا وفسودا إذا خرج عن الاستقامة «٢» .

والحرث: مصدر يحرث، أى: أثار الأرض لإعدادها للزراعة، ثم أطلق وأريد به المحروث وهو الأرض، ثم أطلق وأريد به ما يترتب على ذلك من الزروع والثمار وهو المراد هنا.


(١) تفسير القرطبي ج ٣ ص ١٦.
(٢) المفردات في غريب القرآن ص ٣٧٩ للراغب الأصفهاني. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>