وقوله- سبحانه-: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً بيان لنوع آخر من أنواع السماحة في شريعة الإسلام.
والأشتات: جمع شتّ- بفتح الشين- يقال: شت الأمر يشت شتا وشتاتا، إذا تفرق.
ويقال: هذا أمر شت، أى: متفرق.
أى: ليس عليكم- أيها المؤمنون- حرج أو إثم في أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين، وقد كان بعضهم من عاداته أن لا يأكل منفردا، فإن لم يجد من يأكل معه عاف الطعام، فرفع الله- تعالى- هذا الحرج المتكلف، ورد الأمر إلى ما تقتضيه شريعة الإسلام من بساطة ويسر وعدم تكلف، فأباح لهم أن يأكلوا فرادى ومجتمعين.
فالجملة الكريمة بيان للحالة التي يجوز عليها الأكل، بعد بيان البيوت التي يجوز الأكل منها والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها قد اشتملت على أحكم الأداء للترتيب اللفظي والموضوعى، فقد بدأت ببيت الإنسان نفسه، ثم بيوت الآباء، فالأمهات، فالإخوة، فالأخوات، فالأقارب، فالبيوت التي يملكون التصرف فيها فبيوت الأصدقاء ...
ثم لم تكتف بذلك، وإنما بينت الحالة التي يباح الأكل منها ...
ثم بعد ذلك علمتنا آداب دخول البيوت التي ندخلها للأكل أو لغيره، فقال- تعالى-:
فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً.
والمراد بأنفسكم هنا: أهل تلك البيوت التي يدخلونها، لأنهم بمنزلة أنفسهم في شدة المودة والمحبة والألفة، و «تحية» منصوب بفعل مقدر أى: فحيوا تحية.
أى: فإذا دخلتم أيها المؤمنون والمؤمنات بيوتا فسلموا على أهلها الذين هم بمنزلة أنفسكم، وحيوهم تحية ثابتة من عند الله، مباركة طيبة، أى مستتبعة لزيادة البركات والخيرات ولزيادة المحبة والمودة.
ووصف- سبحانه- هذه التحية بالبركة والطيب، لأنها دعوة مؤمن لمؤمن وكلاهما يرجو بها من الله- تعالى- زيادة الخير وطيب الرزق.
وتحية الإسلام أن يقول المسلم لأخيه المسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
أى: مثل هذا البيان القويم، يبين الله- تعالى- لكم الآيات المحكمة، والإرشادات