للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجمل. والباء على هذا تكون في محل نصب على الحال وفيها حينئذ وجهان:

أحدهما: أن تكون حالا من العزة أى ملتبسة بالإثم.

والثاني: أن تكون حالا من المفعول. أى، أخذته حال كونه ملتبسا بالإثم، وفي قوله العزة بالإثم التتميم وهو نوع من علم البديع، وهو عبارة عن إرداف الكلمة بأخرى ترفع عنها اللبس وتقربها من الفهم، وذلك أن العزة تكون محمودة ومذمومة فمن مجيئها محمودة قوله- تعالى-:

وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فلو أطلقت لتوهم فيها بعض من لا دراية له أنها محمودة، فقيل بالإثم توضيحا للمراد فرفع اللبس، ويجوز أن تكون الباء للتعدية- وهو قول الزمخشري- فإنه قال: أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه. أى: حملته العزة التي فيه وحمية الجاهلية على الإثم الذي ينهى عنه وألزمته ارتكابه، ويجوز أن تكون للسببية بمعنى أن إثمه كان سببا لأخذ العزة له» «١» .

أى: استولت عليه حمية الجاهلية بسبب الإثم الذي استحوذ على قلبه فأنساه كل ما يوصل إلى الصلاح والاستقامة.

و «ال» في العزة للعهد. أى: العزة المعهودة المعروفة عند أهل الجاهلية التي تمنع صاحبها من قبول النصيحة.

قال الأستاذ الإمام محمد عبده مرجحا ما ذهب إليه من أن «تولى» بمعنى الولاية والإمارة:

«وهذا الوصف ظاهر جدا في تفسير التولي بالولاية والسلطة، فإن الحاكم الظالم المستبد يكبر عليه أن يرشد إلى مصلحة، أو يحذر من مفسدة، لأنه يرى أن هذا المقام الذي ركبه وعلاه يجعله أعلى الناس رأيا وأرجحهم عقلا، بل الحاكم المستبد الذي لا يخاف الله- تعالى- يرى نفسه فوق الحق كما أنه فوق أهله في السلطة، فيجب أن يكون أفن رأيه خيرا من جودة آرائهم، وإفساده نافذا مقبولا دون إصلاحهم، فكيف يجوز لأحد منهم أن يقول له: اتق الله في كذا ... » «٢» .

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة من هذه صفاته فقال: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ.

الفاء هنا للإفصاح، لأنها تفصح عن شرط محذوف تقديره: إذا كانت هذه حالة المعرض عن النصح أنفة وتكبرا فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ أى: كافيه جهنم جزاء له وَلَبِئْسَ الْمِهادُ أى:

ولبئس الفراش الذي يستقر عليه بسبب غروره وفجوره.


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ١٦٤.
(٢) تفسير المنار ج ٢ ص ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>