للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: الرَّحْمنُ أى: هو الرحمن. أى: صاحب الرحمة العظيمة الدائمة بعباده.

والفاء في قوله- تعالى-: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً هي الفصيحة. والجار والمجرور صلة «اسأل» وعدى الفعل «اسأل» بالباء لتضمنه معنى الاعتناء، والضمير يعود إلى ما سبق ذكره من صفات الله- تعالى-، ومن عظيم قدرته ورحمته.

والمعنى: لقد بينا لك مظاهر قدرتنا ووحدانيتنا، فإن شئت الزيادة في هذا الشأن أو غيره، فاسأل قاصدا بسؤالك ربك الخبير بأحوال كل شيء خبرة مطلقة، يستوي معها ما ظهر من أمور الناس وما خفى منها.

قال الإمام ابن جرير: وقوله- تعالى-: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً يقول: فاسأل يا محمد بالرحمن خبيرا بخلقه، فإنه خالق كل شيء ولا يخفى عليه ما خلق، فعن ابن جريج:

قوله: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً. قال: يقول- سبحانه- لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم: إذا أخبرتك شيئا فاعلم أنه كما أخبرتك فأنا الخبير. والخبير في قوله فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً منصوب على الحال من الهاء التي في قوله بِهِ «١» .

ثم أخبر- سبحانه- عن جهالات المشركين وسخافاتهم فقال: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ، قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً.

أى: وإذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون معه لهؤلاء المشركين: اجعلوا سجودكم وخضوعكم للرحمن وحده، قالُوا على سبيل التجاهل وسوء الأدب والجحود: وَمَا الرَّحْمنُ. أى: وما الرحمن الذي تأمروننا بالسجود له أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا أى: أنسجد لما تأمرنا بالسجود له من غير أن نعرفه، ومن غير أن نؤمن به.

وَزادَهُمْ نُفُوراً أى: وزادهم الأمر بالسجود نفورا عن الإيمان وعن السجود لله الواحد القهار.

فالآية الكريمة تحكى ما جبل عليه أولئك المشركون من استهتار وتطاول وسوء أدب، عند ما يدعوهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى إخلاص العبادة لله- عز وجل، وإلى السجود للرحمن الذي تعاظمت رحماته، وتكاثرت آلاؤه.

ولقد بلغ من تطاول بعضهم أنهم كانوا يقولون: ما نعرف الرحمن إلا ذاك الذي باليمامة، يعنون به مسيلمة الكذاب.


(١) تفسير ابن جرير ج ١٩ ص ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>