وقصة إبراهيم- عليه السلام- قد وردت في القرآن في سور متعددة، وبأساليب متنوعة، وردت في سورة البقرة، وكان معظم الحديث فيها، يدور حول بنائه للبيت الحرام هو وابنه إسماعيل، وحكاية تلك الدعوات الخاشعات التي تضرع بها إلى ربه.
ووردت في سورة الأنعام، وكان معظم الحديث فيها يدور حول إقامته الأدلة على وحدانية الله- تعالى- عن طريق التأمل في مشاهد هذا الكون.
ووردت في سورة هود، وكان معظم الحديث فيها يدور حول تبشيره بإسحاق..
ووردت في سورة إبراهيم، وكان معظم الحديث فيها بدور حول ما توجه به إلى ربه من دعاء بعد أن ترك بعض ذريته في جوار بيت الله الحرام.
ووردت في سورة الحجر. وكان معظم الحديث فيها يدور حول ما دار بينه وبين الملائكة من مناقشات..
ووردت في سورة مريم، وفيها حكى القرآن تلك النصائح الحكيمة التي وجهها لأبيه وهو يدعوه لعبادة الله- تعالى- وحده.
ووردت في سورة الأنبياء. وفيها عرض القرآن لما دار بينه وبين قومه من مجادلات ومن تحطيم للأصنام، ومن إلقائهم إياه في النار فصارت بأمر الله- تعالى- بردا وسلاما عليه.
أما هنا في سورة الشعراء، فيحكى لنا- سبحانه- ما دار بينه وبين قومه من مناقشات، وما توجه به إلى خالقه من دعوات.
لقد افتتحت بقوله- تعالى-: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ أى: واقرأ- أيها الرسول الكريم- على قومك- أيضا- نبأ رسولنا إبراهيم- عليه السلام- الذي يزعم قومك أنهم ورثته، وأنهم يتبعونه في ديانته، مع أن إبراهيم برىء منهم ومن شركهم، لأنه ما أرسل إلا لنهى أمثالهم عن الإشراك بالله- تعالى-.
وقوله: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ منصوب على الظرفية. أى: اقرأ عليهم نبأه وقت أن قال لأبيه وقومه على سيل التبكيت وإلزامهم الحجة: أى شيء هذا الذي تعبدونه من دون الله- عز وجل-؟
فأجابوه بقولهم: نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ وكان يكفيهم في الجواب أن يقولوا:
نعبد أصناما، ولكنهم لغبائهم وجهلهم قصدوا التباهي والتفاخر بهذه العبادة الباطلة أى: نعبد أصناما منحوتة من الحجر أو مما يشبهه، ونداوم على عبادتها ليلا ونهارا، ونعكف على التقرب لها كما يتقرب الحبيب إلى حبيبه