قال الآلوسى: والقوم- كما في المصباح- يذكر ويؤنث، وكذلك كل اسم جمع لا واحد له من لفظه نحو رهط ونفر، ولذا يصغر على قويمة، وقيل: هو مذكر ولحقت فعله علامة التأنيث على إرادة الأمة والجماعة منه.. «١» .
والمراد بالمرسلين في قوله- تعالى-: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ نبيهم نوحا- عليه السلام- وعبر عنه بذلك، لأن تكذيبهم له، بمثابة التكذيب لجميع الرسل، لأنهم قد جاءوا جميعا برسالة واحدة في أصولها التي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان.
وإِذْ في قوله- تعالى-: إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أى: كذبوا نبيهم نوحا وقت أن قال لهم ناصحا ومنذرا أَلا تَتَّقُونَ أى: ألا تتقون الله- تعالى- الذي خلقكم ورزقكم، فتخلصوا له العبادة وتتركوا عبادة غيره.
ووصفه- سبحانه- بالأخوة لهم، لأنه كان واحدا منهم يعرفون حسبه ونسبه ونشأته بينهم.
ثم علل نصحه لهم بقوله- كما حكى القرآن عنه-: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ آمركم بتقوى الله- تعالى- لأنى رسول معروف بينكم بالأمانة وعدم الخيانة أو الغش أو المخادعة.
وما دام أمرى كذلك: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أى على هذا النصح مِنْ أَجْرٍ دنيوى إِنْ أَجْرِيَ فيما أدعوكم إليه إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ فهو الذي أرسلنى إليكم، وهو الذي يتفضل بمنحى أجرى لا أنتم.
ولقد بينت لكم حقيقة أمرى فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ.
وهكذا نرى أن نوحا قد سلك مع قومه أحكم الطرق في دعوتهم إلى الله، فهو يحضهم ثلاث مرات على تقوى الله بعد أن يبين لهم أخوته لهم، وأمانته عندهم، وتعففه عن أخذ أجر منهم في مقابل ما يدعوهم إليه من حق وخير، ومصارحته إياهم بأن أجره إنما هو من الله رب العالمين، وليس من أحد سواه.
فماذا كان ردهم على هذا القول الحكيم لنبيهم؟ لقد حكى القرآن ردهم فقال: قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ.
والأرذلون: جمع الأرذل. وهو الأقل من غيره في المال والجاه والنسب.
أى: قال قوم نوح له عند ما دعاهم إلى إخلاص العبادة لله- تعالى-: يا نوح أنؤمن
(١) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ١٠٦