للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسواء: اسم مصدر بمعنى الاستواء والمراد به اسم الفاعل أى: مستو ولذلك يوصف به كما يوصف بالمصدر، كما في قوله- تعالى-:

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ.

أى: مستوية.

والإنذار: إخبار معه تخويف في مدة تتسع للتحفظ من المخوف، فإن لم تتسع له فهو إعلام وإشعار لا إنذار، وأكثر ما يستعمل في القرآن في التخويف من عذاب الله- تعالى-.

والمعنى: إن الذين كفروا برسالتك يا محمد مستو عندهم إنذارك وعدمه، فهم لا يؤمنون بالحق، ولا يستجيبون لداعي الهدى، لسوء استعدادهم، وفساد فطرهم.

وجاءت جملة «إن الذين كفروا: مستأنفة ولم تعطف على ما قبلها لاختلاف الغرض الذي سيق له الكلام، إذ في الجمل السابقة حديث عن الكتاب وآثاره وعظمته، وهنا حديث عن الكافرين وأحوالهم.

وقد وضح هذا المعنى صاحب الكشاف فقال: «فإن قلت لم قطعت قصة الكفار عن قصة المؤمنين ولم تعطف كنحو قوله: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ. وغيره من الآيات الكثيرة؟ قلت: ليس وزان هاتين القصتين وزان ما ذكرت. لأن الأولى فيما نحن فيه مسوقة لذكر الكتاب وأنه هدى المتقين، وسيقت الثانية لأن الكفار من صفتهم كيت وكيت فبين الجملتين تباين في الغرض والأسلوب، وهما على حد لا مجال فيه للعاطف» .

وقوله سَواءٌ خبر إن وعَلَيْهِمْ متعلق به، وأَ أَنْذَرْتَهُمْ مؤول بمصدر فاعل سواء.

أى: إن الذين كفروا سواء عندهم إنذارهم وعدم إنذارهم وإنما استوى لديهم الإنذار وعدمه مع أن الإنذار إنما يواجههم به نبي قوى أمين مؤيد من الله- تعالى-، لأنهم لما جحدوا نعم الله، وعموا عن آياته، وحسدوا رسوله على ما آتاه الله من فضله، صاروا بسبب ذلك في حضيض جمد معه شعورهم، وبرد فيه إحساسهم، فلا تؤثر فيهم موجعات القول، ولا تنفذ إلى قلوبهم بالغات الحجج. فهم كما قال الشاعر:

لقد أسمعت إذ ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادى

ولم يذكر- سبحانه- التبشير مع الإنذار، لأنهم ليسوا أهلا للبشارة، ولأن الإنذار أوقع في القلوب، والذي لا يتأثر به يكون عدم تأثره بغيره أولى.

ولم يقل- سبحانه- سواء عليك أأنذرتهم أم لم تنذرهم.. إلخ، لأنه بالنسبة له صلّى الله عليه وسلّم لا يستوي الأمران، إذ هو في حالة إنذاره لهم مثاب ومأجور، أما في حالة عدم إنذاره فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>