إنكم بهذا الفعل القبيح الذميم، تكونون قد تعديتم حدود الله- تعالى- وتجاوزتم ما أحله الله لكم، إلى ما حرمه عليكم.
وقد ردوا عليه بما يدل على شذوذهم وعلى انتكاس فطرتهم، فقد قالوا له على سبيل التهديد والوعيد: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ.
أى: قالوا له متوعدين: لئن لم تسكت يا لوط عن نهيك إيانا عما نحن فيه، لتكونن من المخرجين من قريتنا إخراجا تاما، ولنطردنك خارج ديارنا.
وهكذا النفوس عند ما تنحدر في الرذيلة وتنغمس في المنكر، تعادى من يدعوها إلى الفضيلة وإلى الطهر والعفاف.
وقد رد لوط- عليه السلام- على سفاهتهم وسوء أدبهم قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ.
والقالين: جمع قال. يقال: قليت فلانا أقليه- كرميته أرميه- إذا كرهته كرها شديدا.
أى: قال لهم لوط موبخا ومؤنبا: إنى لعملكم القبيح الذي ترتكبونه مع الذكور، من المبغضين له أشد البغض، المنكرين له أشد الإنكار.
ثم توجه إلى ربه- تعالى- بقوله. رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ أى: نجنى يا رب، ونج أهلى المؤمنين معى، مما يعمل هؤلاء الأشرار من منكر لم يسبقهم إليه أحد فأجاب الله- تعالى- دعاءه فقال: فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ.
والمراد بهذه العجوز، امرأته وكانت كافرة وراضية عن فعل قومها.
والغابرين: جمع غابر وهو الباقي بعد غيره. يقال غبر الشيء يغبر غبورا. إذا بقي.
وقوله: إِلَّا عَجُوزاً استثناء من أهله.
أى: فاستجبنا للوط دعاءه، فأنجيناه وأهله المؤمنين جميعا، إلا امرأته العجوز فإننا لم ننجها بل بقيت مع المهلكين لخبثها وعدم إيمانها.
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ أى: ثم أهلكنا قوم لوط المصرين على كفرهم وعلى إتيانهم المنكر، تدميرا شديدا، فإنا جعلنا أعلى قريتهم سافلها، وأبدناهم عن آخرهم.
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ بعد ذلك الإهلاك مَطَراً عجيبا أمره فقد كان نوعا من الحجارة، كما جاء في آية أخرى في قوله: تعالى-: وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ.