للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز أن يعود الضمير على الشياطين. وتكون الجملة حالية أو مستأنفة، ومعنى إلقائهم السمع: إنصاتهم إلى الملأ الأعلى ليسترقوا شيئا من السماء.

فيكون المعنى: تتنزل الشياطين على كل أفاك أثيم، حالة كون الشياطين ينصتون إلى الملأ الأعلى. ليسترقوا شيئا من السماء، وأكثر هؤلاء الشياطين كاذبون فيما ينقلونه إلى الأفاكين والآثمين من الكهان.

ويصح أن يكون السمع بمعنى المسموع. أى: يلقى كل من الشياطين والكهنة ما يسمعونه إلى غيرهم.

قال الجمل: قوله: وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ الأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم، على معنى أن هؤلاء قلما يصدقون فيما يحكون عن الجنى. أو المعنى: وأكثر أقوالهم كاذبة لا باعتبار ذواتهم حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون أقلهم صادقا على الإطلاق.. فالكثرة في المسموع لا في ذوات القائلين.

وقال بعضهم. المراد بالأكثر الكل ... «١» .

والمقصود من هذه الآيات الكريمة إبطال ما زعمه المشركون من أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد تلقى هذا القرآن عن الشياطين أو عن غيرهم، وإثبات أن هذا القرآن ما نزل إلا من عند الله- تعالى- بواسطة الروح الأمين.

وقوله- سبحانه-: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إبطال لشبهة أخرى من شبهاتهم وهي زعمهم أنه صلّى الله عليه وسلّم شاعر.

والشعراء: جمع شاعر كعالم وعلماء. والغاوون: جمع غاو وهو الضال عن طريق الحق.

أى: ومن شأن الشعراء أن الذين يتبعونهم من البشر، هم الضالون عن الصراط المستقيم، وعن جادة الحق والصواب.

وقوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ تأكيد لما قبله، من كون الشعراء يتبعهم الغاوون. والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية والمعرفة.

والوادي: هو المكان المتسع. والمراد به هنا: فنون القول وطرقه.

ويهيمون: من الهيام وهو أن يذهب المرء على وجهه دون أن يعرف له جهة معينة يقصدها.

يقال: هام فلان على وجهه، إذا لم يكن له مكان معين يقصده. والهيام داء يستولى على


(١) حاشية الجمل على الجلالين.

<<  <  ج: ص:  >  >>