للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس كذلك كان لا بد لهم من الاختلاف بمقتضى فطرهم، وكان من رحمة الله أن يرسل إليهم مبشرين ومنذرين.

وترتيب بعثة الرسل على وحدة الأمة في الآية التي نفسرها يكون على هذا المعنى:

إن الله قضى أن يكور الناس أمة واحدة يرتبط بعضهم ببعض ولا سبيل لعقولهم، وحدها إلى الوصول إلى ما يلزم لهم في توفير مصالحهم ودفع المضار عنهم، لتفاوت عقولهم، واختلاف فطرهم، وحرمانهم من الإلهام الهادي لكل منهم إلى ما يجب عليه نحو صاحبه، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأيدهم بالدلائل القاطعة على صدقهم، وعلى أن ما يأتون به إنما هو من عند الله- تعالى- القادر على إثابتهم وعقوبتهم ... » «١» .

وقال فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة ما ملخصه: وإن هذا الرأى الذي اختاره الأستاذ الإمام هو الذي نختاره، وعلى هذا التأويل لا يكون ثمة حاجة إلى تقدير محذوف، لأن ذات حالهم من كونهم لا علم لهم بالشرائع ولا تهتدى عقولهم إلى الحقائق بنفسها توجب البعث، ولأن تلك الحال التي تكون على الفطرة وحدها توجب الاختلاف فتوجب بعث النبيين.. ثم إن نفس كل إنسان فيها نزوع إلى الاجتماع، وحيث كان الاجتماع فلا بد من نظام يربط، وشرع يحكم.

وعلى هذا التأويل أيضا تكون الفاء في قوله: فَبَعَثَ ... - وهي التي يقول عنها النحويون إنها للترتيب والتعقيب- في موضعها من غير حاجة إلى تقدير، لأن كون الناس أمة واحدة اقتضت الرسالة واقتضت الاختلاف.

و «كان» على هذا التأويل تدل على الاستمرار والثبوت، لأن الناس بمقتضى فطرهم دائما في حاجة إلى شرع السماء لا يهتدون إلا به.

ثم قال فضيلته: وقد يقول قائل: إن جعل «كان» للاستمرار يفيد أن وحدة الناس في الفطرة وتأديها إلى التناحر يقتضى بعث النبيين إلى يوم القيامة، وأنه لا بد من نبي لعصرنا، ونحن نسلّم بالاعتراض ولا ندفع إيراده ونقول: نعم إنه لا بد من قيام رسالة إلى يوم القيامة وهي رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم التي جاءت بكتاب تتجدد به الرسالة والبعث إلى أن تفنى الأرض ومن عليها وهذا الكتاب هو القرآن الكريم الذي لا تبلى جدته، والذي تكفل الله بحفظه، وبإعجازه إلى يوم القيامة، والذي من يقرؤه فكأنما يتلقاه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم» «٢» .


(١) تفسير المنار ج ٢ ص ٢٨٢ بتصرف وتلخيص.
(٢) تفسير الآية الكريمة لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة. مجلة لواء الإسلام السنة الخامسة من العدد الثامن

<<  <  ج: ص:  >  >>