للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- تعالى-: حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ، قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ، لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.

وحَتَّى هنا ابتدائية. أى: يبتدأ بها الكلام، وقوله قالَتْ نَمْلَةٌ جواب إذا.

وقوله: لا يَحْطِمَنَّكُمْ من الحطم، وأصله: كسر الشيء.. يقال: حطم فلان الشيء إذا كسره، والمراد به هنا: الإهلاك والقتل.

والمعنى: وحشر لسليمان جنوده، فسار هؤلاء الجنود في قوة ونظام، حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ أى: على مكان يعيش فيه النمل في مملكة سليمان قالَتْ نَمْلَةٌ على سبيل النصح والتحذير بعد أن رأت سليمان وجنوده: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ أى:

ادخلوا أماكن سكناكم، وابتعدوا عن طريق هذا الجيش الكبير، وانجوا بأنفسكم، كي لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون بكم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم عدى أَتَوْا بعلى؟ قلت: يتوجه على معنين:

أحدهما: أن إتيانهم كان من فوق، فأتى بحرف الاستعلاء ... والثاني: أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره، من قولهم أتى على الشيء إذا أنفده وبلغ آخره..

فإن قلت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ ما هو؟ قلت: يحتمل أن يكون جوابا للأمر، وأن يكون نهيا بدلا من الأمر. والذي جوز أن يكون بدلا منه: أنه في معنى: لا تكونوا حيث أنتم فيحطمكم، على طريقة: لا أرينك هاهنا» «١» .

أى: لا تحضر ها هنا بحيث أراك.

ثم بين- سبحانه- ما فعله سليمان بعد أن أدرك ما قالته النملة لأفراد جنسها، فقال- تعالى-: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها أى: فسمع قولها السابق فاهتزت نفسه، وتبسم ضاحكا من قولها، لفطنتها إلى تحذير أبناء جنسها، ولسروره بما قالته عنه وعن جيشه، حيث وصفتهم بأنهم لا يقدمون على إهلاك النمل، إلا بسبب عدم شعورهم بهم.

وقوله ضاحِكاً حال مؤكدة لأنه قد فهم الضحك من التبسم. وقيل: هو حال مقدرة لأن التبسم أول الضحك.

ثم حكى- سبحانه- ما نطق به سليمان بعد ذلك فقال: وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ....


(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>