وتنبيها على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علما بما لم يحط به، لتتحافر إليه نفسه، ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفا له في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء ... » «١» .
وقوله: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ تفسير وتوضيح لقوله قبل ذلك: أحطت بما لم تحط به، وسبأ في الأصل: اسم لسبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ثم صار بعد ذلك اسما لحى من الناس سموا باسم أبيهم، أو صار اسما للقبيلة، أو لمدينة تعرف بمأرب باليمن. بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال.
وقد قرأ بعضهم هذا اللفظ بالتنوين باعتباره اسم رجل، وقرأه آخرون بغير تنوين لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.
أى: قال الهدهد لسليمان بادئا حديثه بما يشير إلى قبول عذره: علمت شيئا أنت لم تعلمه، وجئتك من جهة قبيلة سبأ بنبإ عظيم خطير، أنا متيقن من صدقه.
ثم قص عليه ما رآه فقال: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ والمراد بهذه المرأة: بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن ريان ... ورثت الملك عن أبيها.
أى: إنى وجدت قبيلة سبأ تحكمها امرأة، وتتصرف في أمورهم دون أن يعترض عليها معترض، أو ينافسها منافس.
وقوله وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ معطوف على ما قبله. أى: وبين يديها جميع الأشياء التي تحتاجها لتصريف شئون مملكتها، والمحافظة على قوتها واستقرارها ...
وفضلا عن كل ذلك لَها عَرْشٌ عَظِيمٌ أى: لها سرير ملك فخم ضخم يدل على غناها وترفها، ورقى مملكتها في الصناعة وغيرها.
والمراد أن لها عرشا عظيما بالنسبة إلى أمثالها من الدنيا.
ثم أضاف إلى ذلك قوله: وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ....
أى: والأهم من كل ذلك أنى وجدت هذه المرأة ومعها قومها يتركون عبادة الله- تعالى-، ويعبدون الشمس التي هي من مخلوقاته- عز وجل-.
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ التي هي عبادتهم للشمس، وما يشبهها من ألوان الكفر والفسوق عن أمر الله- تعالى-.
فَصَدَّهُمْ أى فمنعهم الشيطان عَنِ السَّبِيلِ الحق فَهُمْ بسبب ذلك
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٥٩.