للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و «من» اسم موصول في محل رفع على أنه فاعل «يعلم» و «الغيب» مفعوله فيكون المعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لكل من سألك عن موعد قيام الساعة: لا يعلم أحد من المخلوقات الكائنة في السموات والأرض، الغيب إلا الله- تعالى- وحده، فإنه هو الذي يعلمه.

ويجوز أن يكون لفظ «من» في محل نصب على المفعولية و «الغيب» بدل منه، ولفظ الجلالة «الله» فاعل «يعلم» فيكون المعنى: قل لا يعلم الأشياء التي تحدث في السموات والأرض الغائبة عنا، إلا الله- تعالى-.

قال القرطبي: وفي صحيح مسلم عن عائشة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «من زعم أن محمدا صلّى الله عليه وسلم يعلم ما في غد، فقد أعظم على الله الفرية» «١» .

وقوله- سبحانه-: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ تأكيد لانفراد الله- تعالى- بعلم الغيوب، ولفظ «أيان» ظرف زمان متضمن معنى متى.

أى: وما يشعر هؤلاء الكافرون الذين سألوا عن وقت قيام الساعة، ولا غيرهم، متى يكون بعثهم من قبورهم للحساب، إذ علم وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله وحده.

فالجملة الكريمة تنفى عنهم العلم بموعد قيام الساعة في أدق صورة وأخفاها، فهم لا يشعرون ولا يحسون بقيام الساعة، بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها، وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ «٢» .

ثم بين- سبحانه- حقيقة أمرهم في الآخرة بصورة أكثر تفصيلا. فقال: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ..

وقوله- تعالى-: بَلِ ادَّارَكَ ... قرأه الجمهور- بكسر اللام وتشديد الدال وبعدها ألف- وأصله تدارك، بزنة تفاعل.

وللعلماء في تفسير هذه الآية أقوال أشهرها: أن التدارك بمعنى الاضمحلال والفناء، وأصله التتابع والتلاحق. يقال: تدارك بنو فلان، إذا تتابعوا في الهلاك، و «في» بمعنى الباء.

أى: بل تتابع علم هؤلاء المشركين بشئون البعث حتى اضمحل وفنى، ولم يبق لهم علم بشيء مما سيكون فيها قطعا مع توافر أسبابه ومباديه من الدلائل.

والمقصود: أن أسباب علمهم بأحوال الآخرة مع توافرها، قد تساقطت من اعتبارهم


(١) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ٢٢٦.
(٢) سورة الأنبياء الآية ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>