للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا- أيها المؤمنون- إنى أنهاكم أن تظنوا هذا الظن، وآمركم أن تتيقنوا من أن الظفر بدخول الجنة يستلزم منكم التأسى بمن سبقكم من المتقين في الصبر والثبات.

والمعنى على أن أَمْ هنا هي المتصلة- أى المشعرة بمحذوف دل عليه الكلام-: قد خلت من قبلكم أمم أوتوا الكتاب واهتدوا إلى الحق فآذاهم الناس أذى شديدا فصبروا على ذلك أفتصبرون مثلهم على المكاره وتثبتون ثباتهم على الشدائد؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة دون أن يصيبكم ما أصابهم؟

والمعنى على أن أَمْ هنا منقطعة- أى تدل على الإضراب والاستفهام معا-: لقد أوذيتم أيها المؤمنون في سبيل دينكم أذى عظيما، فعليكم أن تصبروا وأن تثبتوا كما فعل الذين من قبلكم، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة دون ابتلاء وصبر.. أى: بل أحسبتم.. إن كان هذا هو حسبانكم فهو حسبان باطل لا ينبغي لكم.

وقوله- تعالى-: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ.. استئناف وقع جوابا عما ينساق إليه الذهن، كأنه قيل: كيف مثل أولئك الذين خلوا ومضوا؟ فكان الجواب مستهم البأساء.. إلخ.

ومستهم أى: حلت بهم. وعبر بمستهم للإشعار بأن تلك الشدائد قد أصابتهم بالآلام التي اتصلت بحواسهم وأجسادهم ولكنها لم تضعف إيمانهم إذ حقيقة المس اتصال الجسم بجسم آخر.

قال صاحب الكشاف: وقوله: وَزُلْزِلُوا أى: أزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال والافزاع «حتى يقول الرسول» أى: إلى الغاية التي قال الرسول ومن معه فيها مَتى نَصْرُ اللَّهِ أى بلغ بهم الضجر ولم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك. ومعناه طلب النصر وتمنيه، واستطالة زمان الشدة. وفي هذه الغاية دليل على تناهى الأمر في الشدة وتماديه في العظم لأن الرسل لا يقادر قدر ثباتهم واصطبارهم وضبطهم لأنفسهم، فإذا لم يبق لهم صبر حتى ضجوا كان ذلك الغاية في الشدة التي لا مطمع وراءها «١» » .

والمراد بالرسول- كما يقول الآلوسى- الجنس لا واحد بعينه. وقيل: شعياء، وقيل:

أشعياء، وقيل اليسع. وعلى التعيين يكون المراد من الذين خلوا قوما بأعيانهم وهم أتباع هؤلاء الرسل «٢» » .

وقوله- تعالى-: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ استئناف على تقدير القول. أى فقيل لهم حينما


(١) تفسير الكشاف ج ١ صفحة ٢٥٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢ صفحة ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>