أى: فلما اقترب موسى من النار، نودي من ذلك المكان الطيب، الكائن على يمينه وهو يسير إليها. والمشتمل على البقعة المباركة من ناحية الشجرة.
ولعل التنصيص على الشجرة، للإشارة إلى أنها كانت الوحيدة في ذلك المكان.
وأَنْ في قوله- تعالى-: أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ تفسيرية، لأن النداء قول.
أى: نودي أن يا موسى تنبه وتذكر إنى أنا الله رب العالمين.
قال الإمام ابن كثير: وقوله- تعالى-: أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ أى:
الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين، الفعال لما يشاء لا إله غيره. ولا رب سواه، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وصفاته وأقواله- سبحانه-: «١» .
«قوله- سبحانه-: وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ معطوف على قوله أَنْ يا مُوسى فكلاهما مفسر للنداء، والفاء في قوله فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ فصيحة.
والمعنى: نودي أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين، ونودي أن ألق عصاك، فألقاها.
فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ أى تضطرب بسرعة كَأَنَّها جَانٌّ أى: كأنها في سرعة حركتها وشدة اضطرابها جَانٌّ أى: ثعبان يدب بسرعة ويمرق في خفة ولى مدبرا ولم يعقب. أى: ولى هاربا خوفا منها، دون أن يفكر في العودة إليها. ليتبين ماذا بها، وليتأمل ما حدث لها.
يقال: عقب المقاتل إذا كر راجعا إلى خصمه، بعد أن فر من أمامه.
وهنا جاءه النداء مرة أخرى، في قوله- تعالى-: يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ.
أى: يا موسى أقبل نحو المكان الذي كنت فيه، ولا تخف مما رأيته، إنك من عبادنا الآمنين عندنا، المختارين لحمل رسالتنا.
ثم أمره- سبحانه- بأمر آخر فقال: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ...
ولفظ اسْلُكْ من السلك- بتشديد السين مع الفتح- بمعنى إدخال الشيء في الشيء.
أى: أدخل يدك يا موسى في فتحة ثوبك، تخرج بيضاء من غير سوء مرض أو عيب وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ والجناح: اليد، والرهب: الخوف والفزع.
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٤٤.