للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمفعولا تَزْعُمُونَ محذوفان، لدلالة الكلام عليهما. والمقصود بهذا الاستفهام أَيْنَ شُرَكائِيَ الخزي والفضيحة، إذ من المعلوم أنه لا شركاء لله- تعالى- لا في ذاته ولا في صفاته.

والمراد بالذين حق عليهم القول في قوله- تعالى-: قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ... رؤساؤهم في الكفر، ودعاتهم إليه كالشياطين، ومن يشبهونهم في التحريض على الضلال.

أى قال: رؤساؤهم ودعاتهم إلى الكفر، الذين ثبت عليهم العذاب بسبب إصرارهم على الفسوق والجحود.

رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أى: يا ربنا هؤلاء هم أتباعنا الذين أضللناهم.

أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا أى: دعوناهم إلى الضلالة التي كنا عليها فأطاعونا فيما دعوناهم إليه.

قال صاحب الكشاف ما ملخصه: قوله: هؤُلاءِ مبتدأ، والَّذِينَ أَغْوَيْنا صفته، والراجع إلى الموصول محذوف وأَغْوَيْناهُمْ الخبر. والكاف صفة لمصدر محذوف تقديره: أغويناهم فغووا غيا مثل ما غوينا، يعنون أنا لم نغو إلا باختيارنا، لا أن فوقنا مغوين أغوونا بقسر منهم وإلجاء. أودعونا إلى الغي وسولوه لنا، فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم، لأن إغواءنا لهم، لم يكن إلا وسوسة وتسويلا. لا قسرا أو إلجاء «فلا فرق إذا بين غينا وغيهم..» «١» .

وقوله- سبحانه- تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ من كلام الرؤساء والشياطين، فهو مقرر لما قبله، ومؤكد له.

أى: تبرأنا إليك منهم، ومن ادعائهم أننا أجبرناهم على الضلالة والغواية، والحق أنهم ما كانوا يعبدوننا، بل كانوا يعبدون ما سولته لهم أهواؤهم وشهواتهم الباطلة.

فالآية الكريمة تحكى تبرؤ رءوس الكفر من أتباعهم يوم القيامة، ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله- تعالى-: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ.. «٢» .


(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٢٦.
(٢) سورة إبراهيم الآية ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>