قال القرطبي: والذرع مصدر ذرع. وأصله أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا، على قدر سعة خطوه، فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق عن ذلك، وضعف ومد عنقه. فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع ... وإنما ضاق ذرعه بهم، لما رأى من جمالهم، وما يعلمه من فسوق قومه..» «١» . أى: وحين جاءت الملائكة إلى لوط- عليه السلام- ورآهم، ساءه وأحزنه مجيئهم، لأنه كان لا يعرفهم، ويعرف أن قومه قوم سوء، فخشي أن يعتدى قومه عليهم.
وهو لا يستطيع الدفاع عن هؤلاء الضيوف.
والتعبير بقوله- سبحانه- وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً: تعبير بليغ، وتصوير بديع لنفاد حيلته، واغتمام نفسه، وعجزه عن وجود مخرج للمكروه الذي حل به. و «ذرعا» تمييز محول عن الفاعل، أى: ضاق بأمرهم ذرعه.
ولاحظ الملائكة- عليهم السلام- على لوط قلقه وخوفه، فقالوا له على سبيل التبشير وإدخال الطمأنينة على نفسه، يا لوط: لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ أى: لا تخف علينا من قومك، ولا تحزن لمجيئنا إليك بتلك الصورة المفاجئة.
ثم أفصحوا له عن مهمتهم فقالوا: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ.
أى: إنا منجوك وأهلك المؤمنين من العذاب الذي ننزله بقومك، إلا امرأتك فسيدركها العذاب مع قومك، وستهلك مع الهالكين بسبب تواطئها معهم، ورضاها بأفعالهم القبيحة.
ثم أخبروه بالكيفية التي ينزل بها العذاب على قومه فقالوا: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.
والرجز: العذاب الذي يزعج المعذب به ويجعله في حالة اضطراب وهلع. يقال: ارتجز فلان، إذا اضطرب وانزعج.
أى: إنا منزلون بأمر الله- تعالى- وإرادته، على أهل هذه القرية- وهي قرية سدوم التي كان يسكنها قوم لوط- رِجْزاً مِنَ السَّماءِ أى: عذابا شديدا كائنا من السماء، بحيث لا يملكون دفعه أو النجاة منه، بسبب فسوقهم عن أمر ربهم، وخروجهم عن طاعته.
ثم بين- سبحانه- أن حكمته قد اقتضت. أن يجعل آثار هؤلاء الظالمين باقية بعدهم، لتكون عبرة وعظة لغيرهم فقال: وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.