للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: اثبت- أيها الرسول الكريم- على هذا الدين الحق، والزموا- أيها الناس- فطرة الله، وهي ملة الحق، التي فطر الناس عليها، وخلقهم قابلين لها.

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: يقول- تعالى-: فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك، من الحنيفية ملة إبراهيم، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة، التي فطر الله الخلق عليها، فإنه- تعالى-: فطر خلقه على معرفته وتوحيده.

وفي الحديث: «إنى خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم- أى حولتهم- الشياطين عن دينهم» .

وروى البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول: فطرة الله التي فطر الناس عليها..» «١» .

وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم وحّد الخطاب أولا، ثم جمع؟ قلت: خوطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولا، وخطاب الرسول خطاب لأمته، مع ما فيه من التعظيم للإمام، ثم جمع بعد ذلك للبيان والتلخيص «٢» .

وقوله: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ تعليل لما قبله من الأمر بلزوم الفطرة التي فطر- سبحانه- الناس عليها.

أى: الزموا فطرة الله التي هي دين الإسلام، وقبول تعاليمه والعمل بها، لأن هذا الدين قد ارتضاه الله- تعالى- لكم، ولا تبديل ولا تغيير لما فطركم عليه وارتضاه لكم.

وذلِكَ الدين الذي اختاره- سبحانه- لكم، هو الدِّينُ الْقَيِّمُ أى: القويم المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف.

فاسم الإشارة يعود إلى الدين الذي أمرنا- سبحانه- بالثبات عليه، في قوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً.

وقوله- تعالى-: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ استدراك لبيان موقف الناس من هذا الدين القيم.

أى: ذلك الدين الذي ارتضيته لكم هو الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه


(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٤٠.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>