للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر، تعقبه مرحلة أخرى أشد منه في الضعف، وهي مرحلة الشيب والهرم والشيخوخة التي هي أرذل العمر، وفيها يصير الإنسان أشبه ما يكون بالطفل الصغير في كثير من أحواله..

يَخْلُقُ- سبحانه- ما يَشاءُ خلقه وَهُوَ الْعَلِيمُ بكل شيء الْقَدِيرُ على كل شيء.

فأنت ترى أن هذه الآية قد جمعت مراحل حياة الإنسان بصورها المختلفة.

ثم بين- سبحانه- ما يقوله المجرمون عند ما يبعثون من قبورهم للحساب فقال:

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ.

والمراد بالساعة: يوم القيامة، وسميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من عمر الدنيا، أو لأنها تقع بغتة، والمراد بقيامها: حصولها ووجودها، وقيام الخلائق في ذلك الوقت للحساب أى: وحين تقوم الساعة ويرى المجرمون أنفسهم وقد خرجوا من قبورهم للحساب بسرعة ودهشة، يقسمون بأنهم ما لبثوا في قبورهم أو في دنياهم، غير وقت قليل من الزمان.

قال ابن كثير: يخبر الله- تعالى- عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأصنام، وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم- أيضا- فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة واحدة. ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم «١» .

وقوله: كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ تذييل قصد به بيان ما جبلوا عليه من كذب.

ويؤفكون من الإفك بمعنى الكذب. يقال: أفك الرجل، إذا صرف عن الخير والصدق أى: مثل هذا الكذب الذي تفوهوا به في الآخرة كانوا يفعلون في الدنيا، فهم في الدارين لا ينفكون عن الكذب وعن اختلاق الباطل.

ثم حكى- سبحانه- ما قاله أهل العلم والإيمان في الرد عليهم، فقال: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ.

أى: وقال الذين أوتوا العلم والإيمان من الملائكة والمؤمنين الصادقين في الرد على هؤلاء المجرمين: لقد لبثتم في علم الله وقضائه بعد مفارقتكم الدنيا إلى يوم البعث، أى: إلى الوقت الذي حدده- سبحانه- لبعثكم، والفاء في قوله- تعالى-: فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ هي


(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>